ثم لما كان المقصود من هذه السورة بيان الخلق والملك أكثر فيها من ذكر الرب الذي هو بمعنى المالك والخالق والمنشىء واقتصر فيها على ما يتعلق بذلك من بدء الخلق الإنساني والملكوتي والملكي والشيطاني والحيواني والنباتي وما تضمنته من الوصايا فكلها متعلق بالقوام والمعاش الدنيوي ثم أشار إلى أشراط الساعة .
فقد جمعت هذه السورة جميع المخلوقات بأسرها وما يتعلق بها وما يرجع إليها فظهر بذلك مناسبة افتتاح السور المكية بها وتقديمها على ما تقدم نزوله منها .
وهي في جمعها الأصول والعلوم والمصالح الدنيوية نظير سورة البقرة في جمعها العلوم والمصالح الدينية وما ذكر فيها من العبادات المحضة فعلى سبيل الإيجاز والإيماء كنظير ما وقع في البقرة من علوم بدء الخلق ونحوه فإنه على سبيل الاختصار والإشارة .
فإن قلت فلم لا افتتح القرآن بهذه السورة مقدمة على سورة البقرة لأن بدء الخلق مقدم على الأحكام والتعبدات .
قلت للإشارة إلى أن مصالح الدين والآخرة مقدمة على مصالح المعاش والدنيا وأن المقصود إنما هو العبادة فقدم ما هو الأهم في نظر الشرع ولأن علم بدء الخلق كالفضلة وعلوم الأحكام والتكاليف متعين على كل واحد