1887 - عن مسروق قال سألنا عبد الله زاد في بعض النسخ بن مسعود أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال يعني النبي صلى الله عليه وسلّم إن أرواحهم في جوف طير خضر الحديث في الموطأ إنما نسمة المؤمن طير وفي حديث آخر عن قتادة في صورة طير بيض قال القاضي قال بعض المتكلمين على هذا الأشبه صحةمن قال طير أو صورة طير وهو أكثر ما جاءت به الرواية لا سيما معه قوله وتأوي إلى قناديل تحت العرش قال القاضي واستبعد بعضهم هذا ولم ينكره آخرون وليس فيه ما ينكر ولا فرق بين الأمرين بل رواية جوف طير أصح معنى وأبين وجها وليس للأقيسة والعقول في هذا حكم وكله من المجوزات فإذا أراد الله أن يجعل هذه الروح إذا خرجت في قناديل أو في أجواف طير أو حيث شاء كان كذلك ولم يبعد لا سيما مع القول بأن الأرواح أجسام ولهذا أبعدنا أن تكون رواية أنها طير على ظاهره إذ لو غيرت الأرواح عن حالها وصفاتها إلى طيور خضر لم تكن حينئذ أرواحا قال وقد قيل على هذا إن المنعم والمعذب من الأرواح جزء من الجسد تبقى فيه الروح فهو الي يألم ويعذب ويلتذ وينعم وهو الذي يقول رب ارجعون المؤمنون99 وهو الذي يسرح في شجر الجنة فغير مستحيل أن يصور هذا الجزء طائرا ويجعل في جوف طائر وفي قناديل تحت العرش وغير ذلك مما يريده الله تعالى وقد قال بعض متقدمي أئمتنا إن الروح جسم لطيف متصور على صورة الإنسان داخل الجسم قال وقد تعلق بهذا الحديث وشبهه بعض الملحدة القائلين بالتناسخ وانتقال الأرواح إلى صور في الدنيا ترفه فيها أو تعذب وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب وهذا ضلال بين وإبطال لما جاءت به الشرائع من الحشر والنشر والجنة والنار هذا ما أورده القاضي هناونقله عنه النووي ولم يزد عليه وقال القرطبي في شرح مسلم قد تضمن هذا الحديث تفسير قوله تعالى أحياء عند ربهم يرزقون وإن معنى حياةالشهيد ان لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم وذلك بأن جعلت في أجواف طير كما في هذا الحديث أو في حواصل طير خضر كما في الحديث الآخر صيانة لتلك الأرواح ومبالغة في إكرامها لاطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف الذي لا يحجب عما وراءه ثم يدركون في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة وطيبها ونعيمها وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعد الله لها ثم إن أرواحهم بعد سرحها في الجنة ترجع تلك الطير بهم إلى مواضع مكرمة مشرقة منورة عبر عنها بالقناديل لكثرة أنوارها وشدتها وهذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء كما دلت عليه الآية وهذا الحديث وأما حديث مالك الذي قال فيه إنما نسمةالمؤمن طائر يعلق في شجر الجنة فالمراد بالمؤمن فيه الشهيد والحديثان واحد في المعنى وهو من باب حمل المطلق على المقيد وقد دل على صحة هذا قوله في الحديث الآخر إذا مات الإنسان عرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يعرض عليه مقعده من الجنة وهو موضعه من القبر أو الصور أو حيث شاء الله غير سارح في الجنة ولا داخل فيها وإنما يدرك منزلته فيها بخلاف الشهيد فإنه يباشر ذلك ويشاهده وهو فيها على ما تقدم وبهذا تلتئم الأحاديث وتتفق هذا ما ذكره القرطبي وقال القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب سراج المريدين يجوز أن تودع الروح في جوف طائر أو تكون على هيئة طائر في صفاته ويصل إليها الغذاء وإن كانت وديعة في جوفها من علفها كما يصل إلى المولود من أمه ويكون هذا مخصوصا بالشهداء الذين عجلوا بأنفسهم إلى الموت فعجل الله لهم الثواب والنعيم قبل غيرهم وقال القرطبي صاحب التذكرة وهو غير القرطبي شارح مسلم حديث نسمة المؤمن طائر يدل على أن الروح نفسها تكون طائرا لا أنها تكون فيه ويكون الطائر ظرفا لها وكذا في رواية بن مسعود عند بن ماجة أرواح الشهداء عند الله كطير خضر وفي لفظ عن بن عباس تحول في طير خضر وفي لفظ عن بن عمرو في صور طير بيض وفي لفظ عن كعب أرواح الشهداء طير خضر قال القرطبي وهذا كله أصح من رواية في جوف طير وقال القابسي أنكر بعض العلماء رواية في جوف طير خضر لأنها حينئذ تكون محصورة مضيقا عليها ورد بأن الرواية ثابتة والتأويل محتمل بأن يجعل في بمعنى على والمعنى أرواحهم على جوف طير خضر كقوله تعالى لأصلبنكم في جذوع النخل وجائز أن يسمى الطير جوفا إذا هو محيط به ومشتمل عليه قاله عبد الحق وقال غيره لا مانع من أن تكون في الأجواف حقيقة ويوسعها الله لها حتى تكون أوسع من الفضاء قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في أماليه في قوله تعالى بل أحياء عند ربهم يرزقون آل عمران169 فإن قيل الأموات كلهم كذلك فكيف خصص هؤلاء فالجواب ليس الكل كذلك لأن الموت عبارة عن أن تنزع الروح من الأجسام لقوله سبحانه و تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها الزمر42 أي يأخذها وافية من الأجساد والمجاهد تنقل روحه إلى طير أخضر فقد انتقل من جسد إلى آخر لأنها توفيت من الأجساد بخلاف الباقي فإنه يتوفى من الأجساد وأما قوله صلى الله عليه وسلّم نسمة المؤمن في حواصل طير الحديث فهذا العموم محمول على المجاهدين انتهى فاختار في أرواح الشهداء أنها كائنة في طير لا أنها نفسها طير واختار في معنى حياتهم كونها كائنة في جسد بعد جسدها الأول وللناس في معنى حياة الشهداء كلام كثير قال شيذلة في كتاب البرهان في علوم القرآن في قوله سبحانه و تعالى بل أحياء إن قيل كيف يكونون اموا أحياء قلنا يجوز أن يحييهم الله في قبورهم وأرواحهم تكون في جزء من أبدانهم يحس جميع بدنه النعيم واللذة لأجل ذلك الجزء كما يحس جميع بدن الحي في الدنيا ببرودة أو حرارة تكون في جزء من أجزاء بدنه وقيل المراد أن أجسامهم لا تبلى في قبورهم ولا تنقطع أوصالهم فهم كالأحياء في قبورهم وقال أبو حيان في البحر اختلف الناس في هذه الحياة فقال قوم معناها بقاء أرواحهم دون أجسادهم لأنا نشاهد فسادها وفناءها وذهب آخرون إلى أن الشهيد حي الجسد والروح ولا يقدح في ذلك عدم شعورنا به فنحن نراهم على صفة الأموات وهم أحياء كما ترى النائم على هيئة وهو يرى في منامه ما يتنعم به أو يتألم وقال الجزولي من المالكية في شرح الرسالة اختلف في حياة الشهداء فمنهم من قال حياتهم غير مكيفة ولا معقولة للبشر وهي مما استأثر الله بها كذاته وصفاته ويدل على ذلك قوله تعالى ولكن لا تشعرون وقيل لأنهم يرزقون ويأكلون ويتنعمون كالأحياء وقيل لأن أرواحهم تركع وتسجد تحت العرش إلى يوم القيامة وقيل لأن أجسامهم لا يأكلها التراب قال واختلف في أرواحهم فقيل إنها في حواصل طير خضر وقيل الطير نفسه هو الروح لأنه وعاؤها وقال الحافظ زين الدين بن رجب في كتاب أهوال القبور الفرق بين حياة الشهداء وغيرهم من المؤمنين من وجهين أحدهما أن أرواح الشهداء يخلق لهاأجساد وهي الطير التي تكون في حواصلها ليكمل بذلك نعيمها ويكون أكمل من نعيم الأرواح المجردة عن الأجساد فإن الشهداء بذلوا أجسادهم للقتل في سبيل الله فعوضوا عنها بهذه الأجساد في البرزخ والثاني أنهم يرزقون من الجنة وغيرهم لم يثبت في حقه مثل ذلك انتهى وقد نقل بن العربي في سراج المريدين إجماع الأمة على أنه لا يعجل الأكل والنعيم لأحد إلا للشهداء تنبيهان الأول عورض حديث مسلم هذا ب أخرجه أحمد وابن أبي شيبة والبيهقي في البعث بسند حسن عن بن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة غدوة وعشيا فإنه يدل أنهم خارج الجنة وأجاب القرطبي بأنه يمكن أن يكون هذا الحديث في بعض الشهداءالذين حبسهم عن دخول الجنة دين أو تبعة وقال بن رجب لعل هذا في عموم الشهداء والذين هم في القناديل تحت العرش خواصهم قال أو لعل المراد بالشهداء فيه من هو شهيد غير من قتل في سبيل الله كالمطعون والمبطون والغريق وغيرهم ممن ورد النص بأنه شهيد أو سائر المؤمنين فقد يطلق الشهيد على من حقق الإيمان وشهد بصحته كما ورد عن أبي هريرة قال كل مؤمن صديق وشهيد قيل ما تقول يا أبا هريرة قال اقرأوا والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم وفي حديث مرفوع مؤمنو أمتى شهداء ثم تلا هذه الآية الثاني إذا قلنا بأن الروح نفسها طير لا أنها في جوفه فقد يتوهم من ذلك أنها على هيئة الطير وشكله وفيه وقفة فإن روح الإنسان إنما هي على صورته ومثاله وشكله والذي ينبغي أن يفهم من هذا أنها كالطير في الطيران فقط وقد تقدم في كلام القاضي عياض استبعاد هذا وقد استبعده أيضا السهيلي وقال إن صورة الآدمي أكمل الصور وأشرفها فلا تغير إلى صورة غيرها وهو كلام متجه ويشير إلى هذا قول بن العربي أو يكون على هيئة طائر في صفاته أي لا في ذاته وشكله ويكون المراد بصفاته الطيران والقوة والتعلق بالأشجار ونحو ذلك فاطلع إليهم ربهم اطلاعة إلى آخره قال القرطبي أي تجلى لهم برفع حجبهم وكلمهم مشافهة بغير واسطة مبالغة في الإكرام وتتميما للإنعام وقولهم نريد أن ترد أراحنا في أجسادنا دليل على أن مجرد الأرواح هي المتكلمة ويدل على أن الروح ليس بعرض وفيه رد علىالتناسخية وأن أجواف الطير ليست أجسادا لها وإنما هي مودعة فيها على سبيل الحفظ والصيانة والإكرام