فطاعة الوالدين واجبة في المعروف لا في معصية الله فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سعيد بن منصور قال حدثنا عبدالله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث أن دراجا أبا السمح حدثه عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري أن رجلا من اليمن هاجر إلى رسول الله ص - فقال هل لك أحد باليمن قال أبواي قال أذنا لك قال لا قال ارجع إليها فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما ومن أجل ذلك قال أصحابنا لا يجوز أن يجاهد إلا بإذن الأبوين إذا قام بجهاد العدو من قد كفاه الخروج قالوا فإن لم يكن بإزاء العدو من قد قام بفرض الخروج فعليه الخروج بغير إذن أبويه وقالوا في الخروج في التجارة ونحوها فيما ليس فيه قتال لا بأس به بغير إذنهما لأن النبي ص - إنما منعه من الجهاد إلا بإذن الأبوين إذا قام بفرض غيره لما فيه من التعرض للقتل وفجيعة الأبوين به فأما التجارات والتصرف في المباحات التي ليس فيها تعرض للقتل فليس للأبوين منعه منها فلذلك لم يحتج إلى استئذانهما ومن أجل ما أكد الله تعالى من تعظيم حق الأبوين قال أصحابنا لا ينبغي للرجل أن يقتل أباه الكافر إذا كان محاربا للمسلمين لقوله تعالى ولا تقل لهما أف وقوله تعالى وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا فأمر تعالى بمصاحبتهما بالمعروف في الحال التي يجاهدانه فيها على الكفر ومن المعروف أن لا يشهر عليهما سلاحا ولا يقتلهما إلا أن يضطر إلى ذلك بأن يخاف أن يقتله إن ترك قتله فحينئذ يجوز قتله لأنه إن لم يفعل ذلك قد قتل نفسه بتمكنه غيره منه وهو منهي عن تمكين غيره من قتله كما هو منهي عن قتل نفسه فجاز له حينئذ من أجل ذلك قتله وقد روي عن النبي ص - أنه نهى حنظلة بن أبي عامر الراهب عن قتل أبيه وكان مشركا وقال أصحابنا في المسلم يموت أبواه وهما كافران أنه يغسلهما ويتبعهما ويدفنهما لأن ذلك من الصحبة بالمعروف التي أمر الله بها .
فإن قال قائل ما معنى قوله تعالى وبالوالدين إحسانا وما ضميره قيل له يحتمل استوصوا بالوالدين إحسانا ويحتمل وأحسنوا بالوالدين إحسانا وقوله تعالى وبذي القربى أمر بصلة الرحم والإحسان إلى القرابة على نحو ما ذكره في أول السورة في قوله تعالى والأرحام فبدأ تعالى في أول الآية بتوحديه وعبادته إذ كان ذلك هو الأصل الذي به يصح سائر الشرائع والنبوات وبحصوله يتوصل إلى