اقتضاه نهيه عن الإفصاح بالخطبة من جهة الدلالة كدلالة قوله تعالى ولا تقل لهما أف على حظر الشتم والضرب وأما وجه انتقاضه فإنه لا خلاف أن العقود المقتضية للجواب لا تصح بالتعريض وكذلك الإقرارات لا تصح بالتعريض وإن لم تقتض جوابا من المقر له فلم يختلف حكم ما يقتضي من ذلك جوابا ومالا يقتضيه فعلمت أن اختلافهما من هذا الوجه لا يوجب الفرق بينهما وأما قوله تعالى ولكن لا تواعدوهن سرا فإنه مختلف في المراد به فقال ابن عباس وسعيد بن جبير والشعبي ومجاهد مواعدة السر أن يأخذ عليها عهدا أو ميثاقا أن تحبس نفسها عليه ولا تنكح زوجا غيره وقال الحسن وإبراهيم وأبو مجلز ومحمد وجابر بن زيد لا تواعدوهن سرا الزنا وقال زيد بن أسلم لا تواعدهن سرا لا تنكح المرأة في عدتها ثم تقول سأسره ولا يعلم به أو يدخل عليها فيقول لا يعلم بدخولي حتى تنقضي العدة قال أبو بكر اللفظ محتمل لهذه المعاني كلها لأن الزنا قد يسمى سرا قال الحطيئة ... ويحرم سر جارتهم عليهم ... ويأكل جارهم أنف القصاع ... وأراد بالسر الزنا وصفهم بالعفة عن نساء جيرانهم وقال رؤبة يصف حمار الوحش وأتانه لما كف عنها حين حملت ... قد أحضنت مثل دعاميص الرنق ... أجنة في مستكنات الحلق ... فعف عن أسرارها بعد العسق ... يعني بعد اللزوق يقال عسق به إذا لزق به وأراد بالسر ههنا الغشيان وعقدالنكاح نفسه يسمى سرا كما يسمى به الوطء ألا ترى أن الوطء والعقد كل واحد منهما يسمى نكاحا ولذلك ساغ تأويل الآية على الوطء وعلى العقد وعلى التصريح بالخطبة لما بعد انقضاء العدة وأظهر الوجوه وأولاها بمراد الآية مع احتمالها لسائر ما ذكرنا ما روي عن ابن عباس ومن تابعه وهو التصريح بالخطبة وأخذ العهد عليها أن تحبس نفسه عليه ليتزوجها بعد انقضاء العدة لأن التعريض المباح إنما هو في عقد يكون بعد انقضاء العدة وكذلك التصريح واجب أن يكون حظره من هذا الوجه بعينه ومن جهة أخرى أن ذلك معنى لم نستفده إلا بالآية فهو لا محالة مراد بها وأما حظر إيقاع العقد في العدة فمذكور باسمه في نسق التلاوة بقوله تعالى ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله فإذا كان ذلك