ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقي بيديه إلى التهلكة فقال أبو أيوب إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه وأظهر دينه الإسلام قلنا هلم نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا فنصلحها وندع الجهاد قال أبو عمران فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية فأخبر أبو أيوب أن الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة هو ترك الجهاد في سبيل الله وأن الآية في ذلك نزلت وروي مثله عن ابن عباس وحذيفة والحسن وقتادة ومجاهد والضحاك وروي عن البراء بن عازب وعبيدة السلماني الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة هو اليأس من المغفرة بارتكاب المعاصي وقيل هو الإسراف في الإنفاق حتى لا يجد ما يأكل ويشرب فيتلف وقيل هو أن يقتحم الحرب من غير نكاية في العدو وهو الذي تأوله القوم الذي أنكر عليهم أبو أيوب وأخبر فيه بالسبب وليس يمتنع أن يكون جميع هذه المعاني مرادة بالآية لاحتمال اللفظ لها وجواز اجتماعها من غير تضاد ولا تناف فأما حمله على الرجل الواحد يحمل على حلبة العدو فإن محمد بن الحسن ذكر في السير الكبير أن رجلا لو حمل على ألف رجل وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية فإني أكره له ذلك لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين وإنما ينبغي للرجل أن يفعل هذا إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية ولكنه يجرىء المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل فيقتلون وينكون في العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو ولا يطمع في النجاة لم أر بأسا أن يحمل عليهم فكذلك إذا طمع أن ينكي غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك وأرجو أن يكون فيه مأجورا وإنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه وإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية ولكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك لأن هذا أفضل النكاية وفيه منفعة للمسلمين والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره وعلى هذه المعاني يحمل تأويل من تأول في حديث أبي أيوب أنه ألقى بيده إلى التهلكة بحمله على العدو إذ لم يكن عندهم في ذلك منفعة وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يتلف نفسه من غير منفعة عائدة على الدين ولا على