بأن يفقرهم بتلف أموالهم وجائز أن يكون من قبل العدو بأن يغلبوا عليه فيتلف ونقص من الأموال والأنفس والثمرات يحتمل الوجهين جميعا لأن النقص من الأموال جائز أن يكون سببه العدو وكذلك الثمرات لشغلهم إياهم بقتالهم عن عمارة أراضيهم وجائز أن يكون من فعل الله تعالى بالجوائح التي تصيب الأموال والثمار ونقص الأنفس جائز أن يكون المراد به من يقتل منهم في الحرب وأن يريد به من يميته الله منهم من غير قتل فأما الصبر على ما كان من فعل الله فهو التسليم والرضا بما فعله والعلم بأنه لا يفعل إلا الصلاح والحسن وما هو خير لهم وأنه ما منعهم إلا ليعطيهم وأن منعه إياهم إعطاء منه لهم وأما ما كان من فعل العدو فإن المراد به الصبر على جهادهم وعلى الثبات على دين الله تعالى ولا ينكلون عن الحرب ولا يزولون عن طاعة الله بما يصيبهم من ذلك ولا يجوز أن يريد بالابتلاء ما كان منهم من فعل المشركين لأن الله تعالى لا يبتلي أحدا بالظلم والكفر ولا يريده ولا يوجب الرضا به ولو كان الله تعالى يبتلي بالظلم والكفر لوجب الرضا به كما رضيه بزعمهم حين فعله والله يتعالى عن ذلك وقد تضمنت الآية مدح الصابرين على شدائد الدنيا وعلى مصائبها على الوجوه التي ذكر والوعد بالثواب والثناء الجميل والنفع العظيم لهم في الدنيا والدين فأما في الدنيا فما يحصل له به من الثناء الجميل والمحل الجليل في نفوس المؤمنين لائتماره لأمر الله تعالى ولأن في الفكر في ذلك تسلية عن الهم ونفي الجزع الذي ربما أدى إلى ضرر في النفس وإلى إتلافها في حال ما يعقبه ذلك في الدنيا من محمود العاقبة وأما في الآخرة فهو الثواب الجزيل الذي لا يعلم مقداره إلا الله قال أبو بكر وقد اشتملت هذه الآية على حكمين فرض ونفل فأما الفرض فهو التسليم لأمر الله والرضا بقضاء الله والصبر على أداء فرائضه لا يثنيه عنها مصائب الدنيا ولا شدائدها وأما النفل فإظهار القول بإنا لله وإنا إليه راجعون فإن في إظهاره فوائد جزيلة منها فعل ما ندب الله إليه ووعده الثواب عليه ومنها أن غيره يقتدي به إذا سمعه ومنها غيظ الكفار وعلمهم بجده واجتهاده في دين الله تعالى والثبات على طاعته ومجاهدة أعدائه ويحكى عن داود الطائي قال الزاهد في الدنيا لا يحب البقاء فيها وأفضل الأعمال الرضا عن الله ولا ينبغي للمسلم أن يحزن للمصيبة لأنه يعلم أن لكل مصيبة ثوابا والله تعالى أعلم بالصواب