جواز فركه فأما بدن الإنسان فلا يختلف حكم شيء منه في عدم جواز إزالة النجاسة عنه بغير ما يزيله من الماء وسائر المائعات وكذلك حكم النجاسة التي على موضع الاستنجاء لا يختلف في تغليظ حكمها فواجب أن لا يختلف حكمها في ذلك الموضع وفي سائر البدن وكذلك إن سألونا عن حكم النجاسة التي لها جرم قائم في الخف إنه يطهر بالدلك بعد الجفاف ولو أصابت البدن لم يزلها إلا الغسل فيقال لها إنما اختلفنا لاختلاف حال جرم الخف وبدن الإنسان في كون جرم الخف مستخصفا غير ناشف لما يحصل فيه من الرطوبة إلى نفسه وجرم النجاسة سخيف متخلخل ينشف الرطوبة الحاصلة في الخف إلى نفسها فإذا حكت لم يبق منها إلا اليسير الذي لا حكم له فصار اختلاف أحكامها في الحك والفرك والغسل متعلقا إما بنفس النجاسة لخفتها وإما بما تحله النجاسة في إمكان إزالتها عنه بغير الماء كما نقول في السيف إذا أصابه دم فمسحه أنه يجزي لأن جرم السيف لا يقبل النجاسة فينشفها إلى نفسه فإذا أزيل ما على ظاهره لم يبق هناك إلا ما لا حكم له .
فصل ويستدل بقوله تعالى فاغسلوا وجوهكم الآية على بطلان قول القائلين بإيجاب الترتيب في الوضوء وعلى أنه جائز تقديم بعضها على بعض على ما يرى المتوضئ وهو قول أصحابنا ومالك والثوري والليث والأوزاعي وقال الشافعي لا يجزيه غسل الذراعين قبل الوجه ولا غسل الرجلين قبل الذراعين وهذا القول مما خرج به الشافعي عن إجماع السلف والفقهاء وذلك لأنه روي عن علي وعبدالله وأبي هريرة ما أبالي بأي أعضائي بدأت إذا أتممت وضوئي ولا يروى عن أحد من السلف والخلف فيما نعلم مثل قول الشافعي وقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم الآية يدل من ثلاثة أوجه على سقوط فرض الترتيب أحدها مقتضى ظاهرها جواز الصلاة بحصول الغسل من غير شرط الترتيب إذ كانت الواو ههنا عند أهل اللغة لا توجب الترتيب قاله المبرد وثعلب جميعا وقالوا إن قول القائل رأيت زيدا وعمرا بمنزلة قوله رأيت الزيدين ورأيتهما وكذلك هو في عادة أهل اللفظ ألا ترى أن من سمع قائلا يقول رأيت زيدا وعمرا لم يعتقد في خبره أنه رأى زيدا قبل عمرو بل يجوز أن يكون رآهما معا وجائز أن يكون رأى عمرا قبل زيد فثبت بذلك أن الواو لا توجب الترتيب وقد أجمعوا جميعا أيضا في رجل لو قال إذا دخلت الدار فامرأتي طالق وعبدي حر وعلي صدقة أنه إذا دخل الدار لزمه