ولمن يأبى أن يكون من الوجه أن يفرق بينه وبين شعر الرأس أن شعر الرأس يوجد مع الصبي حين يولد فهو بمنزلة الحاجب في كون كل واحد منهما من العضو الذي هو فيه وشعر اللحية غير موجود معه في حال الولادة وإنما نبت بعدها فلذلك لم يكن من الوجه وقد ذكر عن السلف اختلاف في غسل اللحية وتخليلها ومسحها فروى إسرائيل عن جابر قال رأيت القاسم ومجاهدا وعطاء والشعبي يمسحون لحاهم وكذلك روي عن طاوس وروى جرير عن زيد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال رأيته توضأ ولم أره خلل لحيته وقال هكذا رأيت عليا Bه توضأ وقال يونس رأيت أبا جعفر لا يخلل لحيته فلم ير أحد من هؤلاء غسل اللحية واجبا ورى ابن جريج عن نافع أن ابن عمر كان يبل أصول شعر لحيته ويغلغل بيديه في أصول شعرها حتى يكثر القطر منها وكذلك روي عن عبيد بن عمير وابن سيرين وسعيد بن جبير فهؤلاء كلهم روي عنهم غسل اللحية ولكنه لم يثبت عنهم أنهم رأوا ذلك واجبا كغسل الوجه وقد كان ابن عمر متقصيا في أمر الطهارة كان يدخل الماء عينيه ويتوضأ لكل صلاة وكان ذلك منه استحبابا لا إيجابا ولا خلاف بين فقهاء الأمصار في أن تخليل اللحية ليس بواجب .
وقد روي عن النبي ص - أنه خلل لحيته وروي عن أنس أن النبي ص - خلل لحيته وقال بهذا أمرني ربي وروى عثمان وعمار عن النبي ص - أنه خلل لحيته في الوضوء وروى الحسن عن جابر قال وضأت رسول الله ص - لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثا فرأيته يخلل لحيته بأصابعه كأنها أسنان مشط قال أبو بكر وروي أخبار أخر في صفة وضوء رسول الله ص - ليس فيها ذكر تخليل اللحية منها حديث عبد خير عن علي وحديث عبدالله بن زيد وحديث الربيع بنت معوذ وغيرهم كلهم ذكر أن رسول الله ص - غسل وجهه ثلاثا ولم يذكروا تخليل اللحية فيه وغير جائز إيجاب تخليل اللحية ولا غسلها بالآية وذلك لأن الآية إنما أوجبت غسل الوجه والوجه ما واجهك منه وباطن اللحية ليس من الوجه كداخل الفم والأنف لما لم يكونا من الوجه لم يلزم تطهيرهما في الوضوء على جهة الوجوب فإن ثبت عن النبي ص - تخليلها أو غسلها كان ذلك منه استحبابا لا إيجابا كالمضمضة والاستنشاق وذلك لأنه لما لم تكن في الآية دلالة على وجوب غسلها أو تخليلها لم يجز لنا أن نزيد في الآية بخبر الواحد وجميع ما روي من أخبار التخليل إنما هي أخبار