تعالى شرط في بعض الأعضاء الغسل وفي بعضها المسح فما أمر بغسله لا يجزي فيه المسح لأن الغسل يقتضي إمرار الماء على الموضوع وإجراءه عليه ومتى لم يفعل ذلك لم يسم غاسلا والمسح لا يقتضي ذلك وإنما يقتضي مباشرته بالماء دون إمراره عليه فغيرجائز ترك الغسل إلى المسح ولو كان المراد بالغسل هو المسح لبطلت فائدة التفرقة بينهما في الآية وفي وجوب إثبات التفرقة بينهما ما يوجب أن يكون المسح غير الغسل فمتى مسح ولم يغسل فلا يجزيه لأنه لم يفعل المأمور به .
ويدل على ذلك أنه ليس عليه في مسح الرأس في الوضوء لإبلاغ الماء إلى أصول الشعر وإنما عليه مسح الظاهر منه وعليه في غسل الجنابة إبلاغ الماء أصول الشعر فلو كان المسح والغسل واحدا لأجزى في غسل الجنابة مسحه كما يجزي في الوضوء وفي ذلك دليل على أن ما شرط فيه الغسل لا ينوب عنه المسح فإن قيل إذا لم تكن هناك نجاسة تزال بالغسل فالمقصد فيه مباشرة الموضع بالماء فلا فرق بين الغسل والمسح قيل له هذا يدل على صحة ما ذكرنا وذلك لأنه لما لم تكن هناك نجاسة من أجلها يجب الغسل فكان وجوب عبادة ثم فرق الله تعالى في الآية بين الغسل والمسح فعلينا اتباع الأمر على حسب مقتضاه وموجبه وغير جائز لنا ترك الغسل إلى غيره والعبادة علينا في الغسل في الأعضاء المأمور بها كهي علينا في مسح العضو المأمور به فلم يجز استعمال النظر في ترك حكم اللفظ إلى غيره فإن قيل لو بقيت لمعة في ذراعه فمسحها جاز وهذا يدل على جواز مسح الجميع كما جاز مسح البعض .
قيل له هذا غلط لأن اللمعة إذا اتصلت صارت في حكم المغسول وأما إذا لم تتصل فلا يجوز الإجماع ففي ذلك دلالة على أن المسح لا ينوب مناب الغسل وقيل له لو لزم منا هذا في الوضوء للزمك في غسل الجنابة مثله والله أعلم .
باب الوضوء بغير نية .
قوله تعالى فاغسلوا وجوهكم يقتضي جواز الصلاة بوجود الغسل سواء فارنته النية أو لم تقارنه وذلك لأن الغسل اسم شرعي مفهوم المعنى في اللغة وهو إمرار الماء على الموضع وليس هو عبارة عن النية فمن شرط فيه النية فهو زائد في النص وهذا فاسد من وجهين أحدهما أنه يوجب نسخ الآية قد أباحت فعل الصلاة بوجود الغسل للطهارة من غير شرط النية فمن حظر الصلاة ومنعها إلا مع وجود نية الغسل فقد أوجب نسخها