إباحة المجالسة إذا خاضوا في حديث غيره منسوخ بقوله فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين قيل إنه يعني مشركي العرب وقيل أراد به المنافقين الذين ذكروا في هذه الآية وقيل بل هي عامة في سائر الظالمين .
وقوله إنكم إذا مثلهم قد قيل فيه وجهان أحدهما في العصيان وإن لم تبلغ معصيتهم منزلة الكفر والثاني إنكم مثلهم في الرضى بحالهم في ظاهر أمركم والرضى بالكفر والاستهزاء بآيات الله تعالى كفر ولكن من قعد معهم ساخطا لتلك الحال منهم لم يكفر وإن كان غير موسع عليه في القعود معهم وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله وأن من إنكاره إظهار الكراهة إذا لم يمكنه إزالته وترك مجالسة فاعله والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها فإن قيل فهل يلزم من كان بحضرته منكر أن يتباعد عنه وأن يصير بحيث لا يراه ولا يسمعه قيل له قد قيل في هذا أنه ينبغي له أن يفعل ذلك إذا لم يكن في تباعده وترك سماعه ترك الحق عليه من نحو ترك الصلاة في الجماعة لأجل ما يسمع من صوت الغناء والملاهي وترك حضور الجنازة لما معها من النوح وترك حضور الوليمة لما هناك من اللهو واللعب فإذا لم يكن هناك شيء من ذلك فالتباعد عنهم أولى وإذا كان هناك حق يقوم به ولم يلتفت إلى ما هناك من المنكر وقام بما هو مندوب إليه من حق بعد إظهاره لإنكاره وكراهته وقال قائلون إنما نهى الله عن مجالسة هؤلاء المنافقين ومن يظهر الكفر والاستهزاء بآيات الله لأن في مجالستهم تأنيسا لهم ومشاركتهم فيما يجري في مجلسهم وقد قال أبو حنيفة في رجل يكون في الوليمة فيحضر هناك اللهو واللعب أنه لا ينبغي له أن يخرج وقال لقد ابتليت به مرة وروي عن الحسن أنه حضر هو وابن سيرين جنازة وهناك نوح فانصرف ابن سيرين فذكر ذلك للحسن فقال إنا كنا متى رأينا باطلا وتركنا حقا أسرع ذلك في ديننا لم نرجع وإنما لم ينصرف لأن شهود الجنازة حق قد ندب إليه وأمر به فلا يتركه لأجل معصية غيره وكذلك حضور الوليمة قد ندب إليها النبي ص - فلم يجز أن يترك لأجل المنكر الذي يفعله غيره إذا كان كارها له وقد حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن عبدالله الغداني قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا سعيد بن عبدالعزيز عن سليمان بن موسى عن نافع قال سمع ابن عمر مزمارا فوضع اصبعيه في أذنيه ونأى عن الطريق وقال لي يا نافع هل تسمع شيئا فقلت لا فرفع أصبعيه من أذنيه وقال كنت مع النبي ص - فسمع