البخاري أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله ثم يبعث الله فيه الملك فيؤذن بأربع كلمات فيكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح فأتى فيه بكلمة ثم التي هي تقتضي التراخي في الكتب إلى ما بعد الأربعين الثالثة والأحاديث الباقية تقتضي الكتب عقيب الأربعين الأولى ( قلت ) أجيب بأن قوله ثم يبعث إليه الملك فيؤذن بأربع كلمات فيكتب معطوف على قوله يجمع في بطن أمه ومتعلقا به لا بما قبله وهو قوله ثم يكون مضغة مثله ويكون قوله ثم يكون علقة مثله ثم يكون مضغة مثله معترضا بين المعطوف والمعطوف عليه وذلك جائز موجود في القرآن والحديث الصحيح وكلام العرب وقال عياض والمراد بإرسال الملك في هذه الأشياء أمره بها والتصرف فيها بهذه الأفعال وإلا فقد صرح في الحديث بأنه وكل بالرحم ملكا وأنه يقول يا رب نطفة يا رب علقة وقوله في حديث أنس وإذا أراد الله أن يقضي خلقا قال يا رب أذكر أم أنثى لا يخالف ما قدمناه ولا يلزم منه أن يقول ذلك بعد المضغة بل هو ابتداء كلام وإخبار عن حالة أخرى فأخبر أولا بحال الملك مع النطفة ثم أخبر أن الله تعالى إذا أراد خلق النطفة علقة كان كذا وكذا ثم المراد بجميع ما ذكر من الرزق والأجل والشقاء والسعادة والعقل والذكورة والأنوثة يظهر ذلك للملك فيؤمر بإنفاذه وكتابته وإلا فقضاء الله تعالى وعلمه وإرادته سابقة على ذلك قوله في حديث أنس فيكتب بيانه في حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة حدثنا داود عن عامر عن علقمة عن ابن مسعود يرفعه أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها الملك بكفه قال أي رب أذكر أم أنثى ما الأمر بأي أرض تموت فيقال له انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد قصة هذه النطفة فينطلق فيجد صفتها في أم الكتاب قوله وما الأجل ويروى فما الرزق والأجل قوله فيكتب ويروى قال فيكتب .
( بيان إعرابه ) قوله ملكا منصوب بقوله وكل قوله يقول جملة من الفعل والفاعل وهو الضمير الذي فيه يرجع إلى الملك في محل النصب لأنها صفة الملك وقوله يا رب بحذف ياء المتكلم وفي مثله يجوز يا ربي ويا رب ويا ربا ويا رباه بالهاء وقفا قوله نطفة يجوز فيه الرفع والنصب أما النصب فهو رواية القابسي ووجهه أن يكون منصوبا بفعل مقدر تقديره جعلت المني نطفة في الرحم أو خلقت نطفة وأما وجه الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف أي يا رب هذه نطفة فإن قلت كيف يكون الشيء الواحد نطفة علقة مضغة قلت هذه الأخبار الثلاثة تصدر من الملك في أوقات متعددة لا في وقت واحد ولا يقال ليس فيه فائدة الخبر ولا لازمه لأن الله علام الغيوب لأنا نقول هذا إنما يكون إذا كان الكلام جاريا على ظاهره أما إذا عدل عن الظاهر فلا يلزم المحذور المذكور وههنا المراد التماس إتمام خلقه والدعاء بإفاضة الصورة الكاملة عليه أو الاستعلام عن ذلك ونحوهما ومثل هذا كثير ووقع في القرآن أيضا في قوله تعالى حكاية عن أم مريم عليهما السلام ربي إني وضعتها أنثى فإنه يكون للاعتذار وإظهار التأسف قوله فإذا أراد أن يقضي أي فإذا أراد الله أن يقضي أي أن يتم خلقه أي خلق ما في الرحم من النطفة التي صارت علقة ثم صارت مضغة ويجيء القضاء بمعنى الفراغ أيضا قوله قال أي الملك قوله أذكر أم أنثى أي أذكر هو أم أنثى وقوله ذكر مبتدأ أو خبر فإذا قلنا خبر يكون لفظة هو المؤخرة مبتدأ ولا يقال النكرة لا تقع مبتدأ لأن فيه المسوغ لوقوعه مبتدأ وهي كونها قد تخصصت بثبوت أحدهما إذ السؤال فيه عن التعيين فصح الابتداء به وهو من جملة المخصصات لوقوع المبتدأ نكرة ويروي أذكرا بالنصب فوجهه إن صحت الرواية أي أتريد أو أتخلق ذكرا قوله شقي أم سعيد الكلام فيه مثل الكلام في أذكر أم أنثى ومعنى شقي عاص لله تعالى وسعيد أي مطيع له قال الكرماني فإن قلت أم المتصلة ملزومة لهمزة الاستفهام فأين هي قلت مقدرة ووجودها في قرينها يدل عليه كما هو قول الشاعر .
بسبع رمين الجمر أم بثمان .
أي أبسبع قوله فما الرزق الرزق في كلام العرب الحظ قال الله تعالى وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون أي حظكم من هذا الأمر والحظ هو نصيب الرجل وما هو خاص له دون غيره وقيل الرزق كل شيء يؤكل أو يستعمل وهذا باطل لأن الله تعالى أمرنا بأن ننفق مما رزقنا فقال وأنفقوا مما رزقناكم فلو كان الرزق هو الذي يؤكل لما أمكن إنفاقه وقيل الرزق هو ما يملك وهو أيضا باطل لأن الإنسان قد يقول اللهم ارزقني ولدا صالحا وزوجة صالحة وهو لا يملك الولد