الآخر أن كان يرادفه في الظاهر ومنها أنه لعله أوحى إليه بهذا اللفظ فرأى أن يقف عنده ومنها أن ذكره احترازا عمن أرسل من غيره نبوة كجبريل وغيره من الملائكة عليهم السلام لأنهم رسل الأنبياء ومنها أنه يحتمل أن يكون رده دفعا للتكرار لأنه قال في الأول ونبيك الذي أرسلت ومنها أن النبي فعيل بمعنى فاعل من النبأ وهو الخبر لأنه أنبأ عن الله تعالى أي أخبر وقيل إنه مشتق من النبوة وهو الشيء المرتفع ورد النبي على البراء حين قال ونبيك الذي أرسلت بما رد عليه ليختلف اللفظان ويجمع البنائين معنى الارتفاع والإرسال ويكون تعديدا للنعمة في الحالتين وتعظيما للمنة على الوجهين وقال بعضهم ولأن لفظ النبي أمدح من لفظ الرسول قلت هذا غير موجه لأن لفظ النبي كيف يكون أمدح وهو لا يستلزم الرسالة بل لفظ الرسول أمدح لأنه يستلزم النبوة .
بيان إعرابه قوله فتوضأ الفاء فيه جواب قوله رغبة ورهبة منصوبان على المفعول له على طريقة اللف والنشر أي فوضت أموري إليك رغبة وألجأت ظهري عن المكاره والشدائد إليك رهبة منك لأنه لا ملجأ ولا منجأ منك إلا إليك ويجوز أن يكون انتصابهما على الحال بمعنى راغبا وراهبا قلت كيف يتصور أن يكون راغبا وراهبا في حالة واحدة لأنهما شيئان متنافيان قلت فيه حذل تقديره راغبا إليك وراهبا منك فإن قلت إذا كان التقدير راهبا منك كيف استعمل بكلمة إلى والرهبة لا تستعمل إلا بكلمة من قلت إليك متعلق برغبة وأعطي للرهبة حكمها والعرب تفعل ذلك كثيرا كقول بعضهم .
ورأيت بعلك في الوغى .
متقلدا سيفا ورمحا .
والرمح لا يتقلد وكقول الآخر .
علفتها تبنا وماء باردا .
والماء لا يعلف قوله لا ملجأ ولا منجأ إعرابهما مثل إعراب عصى وفي التركيب خمسة أوجه لأنه مثل لا حول ولا قوة إلا بالله والفرق بين نصبه وفتحه بالتنوين وعند التنوين تسقط الألف ثم إنهما كانا مصدري يتنازعان في منك وإن كانا مكانين فلا إذ اسم المكان لا يعمل وتقديره لا ملجأ منك إلى أحد إلا إليك ولا منجأ إلا إليك قوله آمنت بكتابك أي صدقت أنه كتابك وقوله الذي أنزلت صفته وضمير المفعول محذوف والمراد بالكتاب القرآن وإنما خصص الكتاب بالصفة لتناوله جميع الكتب المنزلة فإن قيل أين العموم ههنا حتى يجيء التخصص قلت المفرد المضاف يقيدد العموم لأن المعرفة بالإضافة كالمعرف باللام يحتمل الجنس والاستغراق والعهد فلفظ الكتاب المضاف هاهنا يحتمل لجميع الكتب ولجنس الكتب ولبعضها كالقرآن وقالوا جميع المعارف كذلك وقد قال الزمخشري C تعالى في قوله تعالى إن الذين كفروا سواء عليهم ( سورة البقرة 6 ) في أول البقرة يجوز أن يكون للعهد وأن يراد بهم ناس بأعيانهم كأبي جهل وأبي لهب والوليد بن المغيرة وأضرابهم وأن يكون للجنس متناولا منهم كل من صمم على كفره انتهى قلت التحقيق أن الجمع المعرف تعريف الجنس معناه جماعة الأحاد وهي أعم من أن يكون جميع الآحاد أو بعضها فهو إذا أطلق احتمل العموم والاستغراق واحتمل الخصوص والحمل على واحد منهما يتوقف على القرينة كما في المشترك هذا ما ذهب إليه الزمخشري وصاحب ( المفتاح ) ومن تبعهما وهو خلاف ما ذهب إليه أئمة الأصول .
بيان استنباط الأحكام منها ما قاله الخطابي فيه حجة لمن منع رواية الحديث بالمعنى وهو قول ابن سيرين وغيره وكان يذهب هذا المذهب أبو العباس النحوي ويقول ما من لفظه من الألفاظ المتناظرة في كلامهم إلا وبينها وبين صاحبتها فرق وإن دق ولطف كقوله بلى ونعم قلت هذا الباب فيه خلاف بين المحدثين وقد عرف في موضعه ولكن لا حجة في هذا للمانعين لأنه يحتمل الأوجه التي ذكرناها بخلاف غيره ومنها ما قاله ابن بطال فيه أن الوضوء عند النوم مندوب إليه مرغوب فيه وكذلك الدعاء لأنه قد تقبض روحه في نومه فيكون قد ختم عمله بالوضوء والدعاء الذي هو أفضل الأعمال ثم إن هذا الوضوء مستحب وإن كان متوضئا كفاه ذلك الوضوء لأن المقصود النوم على طهارة مخافة أن يموت في ليلته ويكون أصدق لرؤياه وأبعد من تلعب الشيطان به في منامه