يشبه الله بالمخلوقين ونزهه عن مماثلتهم فإن قلت الذي أصاب في قياسه كيف وصف بقلة الفقه قلت لأنه لم يعتقد حقيقة ما قال ولم يقطع به .
42 - .
( باب قول الله تعالى يسأله من فى السماوات والارض كل يوم هو فى شأن ) .
أي هذا باب في قول الله D كل يوم هو في شأن أي في شأن يحدثه لا يبديه يعز ويذل ويحيي ويميت ويخفض ويرفع ويغفر ذنبا ويكشف كربا ويجيب داعيا وعن ابن عباس ينظر في اللوح المحفوظ كل يوم ستين وثلاثمائة نظرة .
ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون وقوله تعالى ياأيها النبى إذا طلقتم النسآء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين لقوله تعالى فاطر السماوات والارض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الانعام أزواجا يذرؤكم فيه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير .
قال المهلب غرض البخاري من الباب الفرق بين وصف كلامه بأنه مخلوق ووصفه بأنه حادث يعني لا يجوز إطلاق المخلوق عليه ويجوز إطلاق الحادث عليه وقال الكرماني لم يقصد ذلك ولا يرضى بما نسبه إليه إذ لا فرق بينهما عقلا ونقلا وعرفا وقيل إن مقصوده أن حدوث القرآن وإنزاله إنما هو بالنسبة إلينا وقيل الذي ذكره المهلب هو قول بعض المعتزلة وبعض الظاهرية فإنهم اعتمدوا على قوله D ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون فإنه وصف الذكر الذي هو القرآن بأنه محدث وهذا خطأ لأن الذكر الموصوف في الآية بالإحداث ليس هو نفس كلامه تعالى لقيام الدليل على أن محدثا ومخلوقا ومخترعا ومنشأ ألفاظ مترادفة على معنى واحد فإذا لم يجز وصف كلامه تعالى القائم بذاته بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول لأنه قد سماه الله في آية أخرى ذكرا فقال تعالى أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله ياأولى الألباب الذين ءامنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلو عليكم ءايات الله مبينات ليخرج الذين ءامنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيهآ أبدا قد أحسن الله له رزقا فسماه ذكرا في هذه الآية فيكون المعنى ما يأتيهم من رسول من ربهم محدث ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا هو وعظ الرسول وتحذيره إياهم من المعاصي فسمي وعظه ذكرا وأضافه إليه لأنه فاعل له وقيل رجوع الإحداث إلى الإنسان لا إلى الذكر القديم لأن نزول القرآن على رسول الله كان شيئا بعد شيء فكان يحدث نزوله حينا بعد حين وقيل جاء الذكر بمعنى العلم كما في قوله تعالى ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وبمعنى العظمة كما في قوله ص والقرءان ذى الذكر أي العظمة وبمعنى الصلاة كما في قوله تعالى ياأيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلواة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون وبمعنى الشرف كما في قوله وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون فإذا كان الذكر يجيء بهذه المعاني وهي كلها محدثة كان حمله على أحد هذه المعاني أولى وقال الداودي الذكر في الآية القرآن قال وهو محدث عندنا وهذا ظاهر قول البخاري لقوله وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين فأثبت أنه محدث وهو من صفاته ولم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته وقال ابن التين هذا منه عظيم واستدلاله يرد عليه لأنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم فكيف تكون صفته محدثة وهو لم يزل بها إلا أن يريد أن المحدث غير المخلوق كما يقوله البلخي ومن تبعه وهو ظاهر كلام البخاري حيث قال وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين فأثبت أنه محدث ثم قال الداودي نحو ما ذكره في شرح قول عائشة ولشأني أحقر من أن يتكلم الله في يأمر يتلى قال الداودي فيه أن الله تعالى تكلم ببراءة عائشة حين أنزل فيها بخلاف بعض قول الناس أنه لم يتكلم وقال ابن التين أيضا هذا من الداودي عظيم لأنه يلزم منه أن يكون الله متكلما بكلام حادث فتحل فيه الحوادث تعالى الله عن ذلك وإنما المراد بأنزل الإنزال الذي هو المحدث ليس أن الكلام القديم نزل الآن وقال الكرماني قوله وحدثه أي إحداثه ثم قال اعلم أن صفات الله تعالى إما سلبية وتسمى بالتنزيهات وإما وجودية حقيقية كالعلم والقدرة وإنها قديمة لا محالة وإما إضافية كالخلق والرزق وهي حادثة لا يلزم تغير في ذات الله وصفاته التي هي بالحقيقة صفات له كما أن تعلق العلم والقدرة بالمعلومات والمقدورات حادثة وكذا كل صفة فعلية له فحين تقررت هذه القاعدة فالإنزال مثلا حادث والمنزل قديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة والمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث