الحكم بالطهارة على الجفاف بل يكفي أن يفاض الماء كالثوب المعصر فلا يشترط فيه الجفاف والتصوب كالعصر وفيه وجه أن يكون الماء المصبوب سبعة أضعاف البول ووجه آخر يجب أن يصب على بول الواحد ذنوب وعلى بول الإثنين ذنوبان وعلى هذا أبدا انتهى وقال أصحابنا إذا أصابت الأرض نجاسة رطبة فإن كانت الأرض رخوة صب عليها الماء حتى يتسفل فيها وإذا لم يبق على وجهها شيء من النجاسة وتسفل الماء يحكم بطهارتها ولا يعتبر فيه العدد وإنما هو على اجتهاده وما هو في غالب ظنه أنها طهرت ويقوم التسفل في الأرض مقام العصر فيما لا يحتمل العصر وعلى قياس ظاهر الرواية يصب عليه الماء ثلاث مرات ويتسفل في كل مرة وإن كانت الأرض صلبة فإن كانت صعودا يحفر في أسفلها حفيرة ويصب الماء عليها ثلاث مرات ويتسفل إلى الحفيرة ثم تكبس الحفيرة وإن كانت مستوية بحيث لا يزول عنها الماء لا يغسل لعدم الفائدة في الغسل بل تحفر وعن أبي حنيفة لا تطهر الأرض حتى تحفر إلى الموضع الذي وصلت إليه النداوة وينقل التراب ودليلنا على الحفر الحديثان اللذآن أخرجهما الدارقطني أحدهما عن عبد الله والآخر عن أنس وقد ذكرناهما عن قريب وقد ذكرنا أيضا ما قاله الخطابي وذكرنا جوابه أيضا وروى عبد الرزاق في ( مصنفه ) عن ابن عيينة عن عمرو ابن دينار عن طاوس قال بال أعرابي في المسجد فأرادوا أن يضربوه فقال النبي أحفروا مكانه واطرحوا عليه دلوا من ماء علموا ويسروا ولا تعسروا والقياس أيضا يقتضي هذا الحكم لأن الغسالة نجسة فلا يطهر الأرض ما لم تحفر وينقل التراب فإن قلت قد تركتم الحديث الصحيح واستدللتم بالحديث الضعيف وبالمرسل قلت قد عملنا بالصحيح فيما إذا كانت الأرض صلبة وعملنا بالضعيف على زعمكم لا على زعمنا فيما إذا كانت الأرض رخوة والعمل بالكل أولى من العمل بالبغض وإهمال البعض وأما المرسل فهو معمول به عندنا والذي يترك العمل بالمرسلات يترك العمل باكثر الاحاديث وفي اصطلاح المحدثين ان مرسلين صحيحين اذا عارضا حديثا صحيحا مسندا كان العمل بالمرسلين أولى فكيف مع عدم المعارضة .
الثاني استدل به بعض الشافعية على أن الماء متعين في إزالة النجاسة ومنعوا غيره من المائعات المزيلة وهذا استدلال فاسد لأن ذكر الماء هنا لا يدل على نفي غيره لأن الواجب هو الإزالة والماء مزيل بطبعه فيقاس عليه كل ما كان مزيلا لوجود الجامع على أن هذا الاستدلال يشبه مفهوم مخالفة وهو ليس بحجة .
الثالث استدلت به جماعة من الشافعية وغيرهم أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة وذلك لأن الماء المصبوب لا بد أن يتدافع عند وقوعه على الأرض ويصل إلى محل لم يصبه البول مما يجاوره فلولا أن الغسالة طاهرة لكان الصب ناشرا للنجاسة وذلك خلاف مقصود التطهير وسواء كانت النجاسة على الأرض أو غيرها لكن الحنابلة فرقوا بين الأرض وغيرها ويقال إنه رواية واحدة عند الشافعية إن كانت على الأرض وإن كانت غيرها فوجهان قلت روي عن أبي حنيفة أنها بعد صب الماء عليها لا تطهر حتى تدلك وتنشف بصوف أو خرقة وفعل ذلك ثلاث مرات وإن لم يفعل ذلك لكن صب عليها ماء كثيرا حتى عرف أنه أزال النجاسة ولم يوجد فيه لون ولا ريح ثم ترك حتى نشفت كانت طاهرة .
الرابع استدل به بعض الشافعية أن العصر في الثوب المغسول من النجاسة لا يجب وهذا استدلال فاسد وقياس بالفارق لأن الثوب ينعصر بالعصر بخلاف الأرض .
الخامس استدل به البعض أن الأرض إذا اصابتها نجاسة فجفت بالشمس أو بالهواء لا تطهر وهي محكي عن أبي قلابة أيضا وهذا أيضا فاسد لأن ذكر الماء في الحديث لوجوب المبادرة إلى تطهير المسجد وتركه إلى الجفاف تأخير لهذا الواجب وإذا تردد الحال بين الأمرين لا يكون دليلا على أحدهما بعينه .
السادس فيه دليل على وجوب صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار والنجاسات ألا ترى إلى تمام الحديث في رواية مسلم ثم إن رسول الله دعاه أي الأعرابي فقال له إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر وإنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن .
السابع فيه دليل على أن المساجد لا يجوز فيها إلا ذكر الله والصلاة وقراءة القرآن بقوله وإنما هي لذكر الله من قصر الموصوف على الصفة ولفظ الذكر عام يتناول قراءة القرآن وقراءة العلم ووعظ الناس والصلاة أيضا عام فيتناول المكتوبة والنافلة ولكن النافلة في المنزل أفضل ثم غير هذه الأشياء ككلام الدنيا والضحك واللبث فيه بغير نية الاعتكاف مشتغلا بأمر من أمور الدنيا ينبغي أن لا يباح وهو قول بعض الشافعية والصحيح أن الجلوس فيه لعبادة أو قراءة علم أو درس أو سماع موعظة أو انتظار صلاة أو نحو ذلك مستحب ويثاب على ذلك وإن لم يكن