من الآيتين الكريمتين تنبيها على فائدتين الأولى من قوله هي لدفع توهم من قال إن العرش لم يزل مع الله تعالى مستدلين بقوله في الحديث كان الله ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء وهذا مذهب باطل ولا يدل قوله تعالى وهو الذى خلق السماوات والارض فى ستة أيام وكان عرشه على المآء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هاذآ إلا سحر مبين على أنه حال عليه وإنما أخبر عن العرش خاصة بأنه على الماء ولم يخبر عن نفسه بأنه حال عليه تعالى الله عن ذلك لأنه لم يكن له حاجة إليه وإنما جعله ليتعبد به ملائكته كتعبد خلقه بالبيت الحرام ولم يسمه بيته بمعنى أنه يسكنه وإنما سماه بيته لأنه الخالق له والمالك وكذلك العرش سماه عرشه لأنه مالكه والله تعالى ليس لأوليته حد ولا منتهى وقد كان في أوليته وحده ولا عرش معه والفائدة الثانية من قوله اذهب بكتابى هاذا فألقه إليهم ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون لدفع توهم من قال إن العرش هو الخالق الصانع وقوله رب العرش يبطل هذا القول الفاسد لأنه يدل على أنه مربوب مخلوق والمخلوق كيف يكون خالقا وقد اتفقت أقاويل أهل التفسير على أن العرش هو السرير وأنه جسم ذو قوائم بدليل قوله فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش وهذا صفة المخلوق لدلائل قيام الحدوث به من التأليف وغيره وجاء عن عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة عرشه من ياقوتة حمراء .
قال أبو العالية استوى إلى السماء ارتفع فسواهن خلقهن .
أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي سمع ابن عباس وقال الكرماني أبو العالية بالمهملة والتحتانية كنية لتابعيين بصريين راويين عن ابن عباس اسم أحدهما رفيع مصغر رفع ضد الخفض واسم الآخر زياد بالتحتانية الخفيفة انتهى قلت لم يعين أيهما قال استوى إلى السماء ارتفع وكذلك غيره من الشراح أهمل ولم يبين والظاهر أنه رفيع لشهرته أكثر من زياد ولكثرة روايته عن ابن عباس والتعليق المذكور وصله الطبري عن محمد بن أبان حدثنا أبو بكر بن عياش عن حصين عن أبي العالية وقد اختلف العلماء في معنى الاستواء فقالت المعتزلة بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة كما في قول الشاعر .
قد استوى بشر على العراق .
من غير سيف ودم مهراق .
بمعنى قهر وغلب وأنكر عليهم بأنه لا يقال استولى إلا إذا لم يكن مستوليا ثم استولى والله D لم يزل مستوليا قاهرا غالبا وقال أبو العالية معنى استوى ارتفع وفيه نظر لأنه لم يصف به نفسه وقالت المجسمة معناه استقر وهو فاسد لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي وهو محال في حق الله تعالى واختلف أهل السنة فقال بعضهم معناه ارتفع مثل قول أبي العالية وبه قال أبو عبيدة والفراء وغيرهما وقال بعضهم معناه ملك وقدر وقال بعضهم معناه علا وقيل معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء ومنه قوله تعالى ولما بلغ أشده واستوى ءاتيناه حكما وعلما وكذلك نجزى المحسنين فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء وقيل إن على في قوله على العرش بمعنى إلى فالمراد على هذا انتهى إلى العرش أي فيما يتعلق بالعرش لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء والصحيح تفسير استوى بمعنى علا كما قاله مجاهد على ما يأتي الآن وهو المذهب الحق وقول معظم أهل السنة لأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلي واختلف أهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل فمن قال معناه علا قال هي صفة ذات ومن قال غير ذلك قال هي صفة فعل قوله فسواهن خلقهن هو من كلام أبي العالية أيضا قوله خلقهن كذا في رواية الكشميهني وفي رواية غيره فسوى خلق والمنقول عن أبي العالية بلفظ فقضاهن كما أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنه في قوله تعالى هو الذى خلق لكم ما فى الارض جميعا ثم استوى إلى السمآء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شىء عليم قال ارتفع وفي قوله فقضاهن خلقهن والذي وقع فسواهن تغيير وفي تفسير سوى بخلق نظر لأن في التسوية قدرا زائدا على الخلق كما في قوله تعالى الذى خلق فسوى وقال مجاهد استوى على العرش