كان ضمير النبي وأجود خبرها والتقدير وكان رسول الله مدة كونه في رمضان أجود منه في غيره قلت هذا لا يصح لأن كان إذا كان فيه ضمير النبي لا يصح أن يكون أجود خبرا لكان لأنه مضاف إلى الكون ولا يخبر بكون عما ليس بكون فيجب أن يجعل مبتدأ وخبره في رمضان والجملة خبر كان وإن استتر فيه ضمير الشأن فظاهر فافهم وقال النووي الرفع أشهر ويجوز فيه النصب قلت من جملة مؤكدات الرفع وروده بدون كان في صحيح البخاري في باب الصوم قوله وكان يلقاه قال الكرماني يحتمل كون الضمير المرفوع لجبريل عليه السلام والمنصوب للرسول وبالعكس قلت الراجح أن يكون الضمير المرفوع لجبريل عليه السلام بقرينة قوله حين يلقاه جبريل قوله فيدارسه عطف على قوله يلقاه وقوله القرآن بالنصب لأنه المفعول الثاني للمدارسة إذ الفعل المتعدي إذا نقل إلى باب المفاعلة يصير متعديا إلى اثنين نحو جاذبته الثوب قوله فلرسول الله مبتدأ وخبره قوله أجود واللام فيه مفتوحة لأنه لام الابتداء زيد على المبتدأ للتأكيد .
( الأسئلة والأجوبة ) منها ما قيل أن ههنا أربع جمل فما الجهة الجامعة بينها وأجيب بأن المناسبة بين الجمل الثلاث وهي قوله كان أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان و فلرسول الله الخ ظاهرة لأنه أشار بالجملة الأولى إلى أنه أجود الناس مطلقا وأشار بالثانية إلى أن جوده في رمضان يفضل على جوده في سائر أوقاته وأشار بالثالثة إلى أن جوده في عموم النفع والإسراع فيه كالريح المرسلة وشبه عمومه وسرعة وصوله إلى الناس بالريح المنتشرة وشتان ما بين الأمرين فإن أحدهما يحيي القلب بعد موته والآخر يحيي الأرض بعد موتها وأما المناسبة بين الجملة الرابعة وهي قوله وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن وبين الجملة الباقية فهي أن جوده الذي في رمضان الذي فضل على جوده في غيره إنما كان بأمرين أحدهما بكونه في رمضان والآخر بملاقاته جبريل E ومدارسته معه القرآن ولما كان ابن عباس Bهما في صدد بيان أقسام جوده على سبيل تفضيل بعضه على بعض أشار فيه إلى بيان السبب الموجب لا على جوده وهو كونه في رمضان وملاقاته جبريل فإن قلت ما وجه كون هذين الأمرين سببا موجبا لأعلى جوده قلت أما رمضان فإنه شهر عظيم وفيه الصوم وفيه ليلة القدر وهو من أشرف العبادات فلذلك قال الصوم لي وأنا أجزي به فلا جرم يتضاعف ثواب الصدقة والخير فيه وكذلك العبادات وعن هذا قال الزهري تسبيحة في رمضان خير من سبعين في غيره وقد جاء في الحديث إنه يعتق فيه كل ليلة ألف ألف عتيق من النار وأما ملاقاة جبريل عليه السلام فإن فيها زيادة ترقيه في المقامات وزيادة اطلاعه على علوم الله سبحانه وتعالى ولا سيما عند مدارسته القرآن معه مع نزوله إليه في كل ليلة ولم ينزل إلى غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما نزل إليه فهذا كله من الفيض الإلهي الذي فتح لي في هذا المقام الذي لم يفتح لغيري من الشراح فلله الحمد والمنة ومنها ما قيل ما الحكمة في مدارسته القرآن في رمضان وأجيب بأنها كانت لتجديد العهد واليقين وقال الكرماني وفائدة درس جبريل E تعليم الرسول بتجويد لفظه وتصحيح إخراج الحروف من مخارجها وليكون سنة في هذه الأمة كتجويد التلامذة على الشيوخ قراءتهم وأما تخصيصه رمضان فلكونه موسم الخيرات لأن نعم الله تعالى على عباده فيه زائدة على غيره وقيل الحكمة في المدارسة أن الله تعالى ضمن لنبيه أن لا ينساه فأقره بها وخص بذلك رمضان لأن الله تعالى أنزل القرآن فيه إلى سماء الدنيا جملة من اللوح المحفوظ ثم نزل بعد ذلك على حسب الأسباب في عشرين سنة وقيل نزلت صحف إبراهيم عليه السلام أول ليلة منه والتوراة لست والإنجيل لثلاث عشرة والقرآن لأربع وعشرين ومنها ما قيل المفهوم منه أن جبريل E كان ينزل على النبي في كل ليلة من رمضان وهذا يعارضه ما روي في صحيح مسلم في كل سنة في رمضان حتى ينسلخ وأجيب بأن المحفوظ في مسلم أيضا مثل ما في البخاري ولئن سلمنا صحة الرواية المذكورة فلا تعارض لأن معناه بمعنى الأول لأن قوله حتى ينسلخ بمعنى كل ليلة .
( بيان استنباط الفوائد ) منها الحث على الجود والأفضال في كل الأوقات والزيادة منها في رمضان وعند الاجتماع