وإذا قرنت بمحل المسح يتعدى الفعل بها إلى الآلة فلا يقتضي الاستيعاب وإنما يقتضي إلصاق الآلة بالمحل وذلك يستوعب الكل عادة بل أكثر الآلة ينزل منزلة الكل فيتأدى المسح بإلصاق ثلاثة أصابع بمحل المسح ومعنى التبعيض إنما يثبت بهذا الطريق لا بمعنى أن الباء للتبعيض كما قاله البعض وقد أنكر بعض أهل العربية كون الباء للتبعيض وقال ابن برهان من زعم أن الباء تفيد التبعيض فقد جاء أهل اللغة بما لا يعرفون وقد جعل الجرجاني معنى الإلصاق في الباء أصلا وإن كانت تجيء لمعان كثيرة وقال ابن هاشم أثبت مجيء الباء للتبعيض الأصمعي والفارسي والقتبي وابن مالك قيل والكوفيون وجعلوا منه عينا يشرب بها عباد الله ( الإنسان 6 ) قيل ومنه وامسحوا برؤوسكم ( المائدة 6 ) فالظاهر .
أن الباء فيهما للإلصاق وقيل هي في آية الوضوء للاستعانة وإن في الكلام حذفا وقلبا فإن مسح يتعدى إلى المزال عنه بنفسه وإلى المزيل بالباء فالأصل امسحوا رؤوسكم بالماء فان قلت أليس أن في التيمم حكم المسح ثبت بقوله فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ( النساء 43 ) ثم الإستيعاب فيه شرط قلت عرف الاستيعاب فيه إما بإشارة الكتاب وهو أن الله تعالى أقام التيمم في هذين العضوين مقام الغسل عند تعذره والاستيعاب فرض بالنص وكذا فيما قام مقامه أو عرف ذلك بالسنة وهو قوله E لعثمان رضي الله تعالى عنه يكفيك ضربتان ضربة للوجه وضربه للذراعين وأما على رواية الحسن عن أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه إنه لا يشترط الاستيعاب فلا يرد شيء فإن قلت المسح فرض والمفروض مقدار الناصية ومن حكم الفرض أن يكفر جاحده وجاحد المقدار لا يكفر فكيف يكون فرضا قلت بل جاحد أصل المسح كافر لأنه قطعي وجاحد المقدار لا يكفر لأنه في حق المقدار ظني فان قلت أيها الحنفي إنك استدللت بحديث المغيرة على أن المقدار في المسح هو قدر الناصية وتركت بقية الحديث وهو المسح على العمامة قلت لو عملنا بكل الحديث يلزم به الزيادة على النص لأن هذا خبر الواحد والزيادة به على الكتاب نسخ فلا يجوز وأما المسح على الرأس فقد ثبت بالكتاب فلا يلزم ذلك وأما مسحه E على العمامة فأوله البعض بان المراد به ما تحته من قبيل إطلاق اسم الحال على المحل وأوله البعض بأن الراوي كان بعيدا عن النبي E فمسح على رأسه ولم يضع العمامة من رأسه فظن الراوي أنه مسح على العمامة وقال القاضي عياض وأحسن ما حمل عليه أصحابنا حديث المسح على العمامة أنه E لعله كان به مرض منعه كشف رأسه فصارت العمامة كالجبيرة التي يمسح عليها للضرورة وقال بعضهم فإن قيل فلعله اقتصر على مسح الناصية لعذر لأنه كان في سفر وهو مظنة العذر ولهذا مسح على العمامة بعد مسح الناصية كما هو ظاهر سياق مسلم من حديث المغيرة قلنا قد روي عنه مسح مقدم الرأس من غير مسح على العمامة وهو ما رواه الشافعي من حديث عطاء أن رسول الله توضأ فحسر العمامة عن رأسه ومسح مقدم رأسه وهو مرسل لكنه اعتضد من وجه آخر موصولا أخرجه أبو داود من حديث أنس وفي إسناده أبو معقل لا يعرف حاله فقد اعتضد كل من المرسل والموصول بالآخر وحصلت القوة من الصورة المجموعة قلت قول هذا القائل من أعجب العجائب لأنه يدعي أن المرسل غير حجة عند إمامه ثم يدعي أنه اعتضد بحديث موصول ضعيف باعترافه هو ثم يقول وحصلت القوة من الصورة المجموعة فكيف تحصل القوة من شيء ليس بحجة وشيء ضعيف فإذا كان المرسل غير حجة يكون في حكم العدم ولا يبقى إلا الحديث الضعيف وحده فكيف تكون الصورة المجموعة .
الثامن فيه البداءة في مسح الرأس بمقدمه وروي في هذا الباب أحاديث كثيرة فعند النسائي من حديث عبد الله بن زيد ثم مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وادبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه وعند ابن أبي شيبة من حديث الربيع بدأ بمؤخره ثم مد يديه على ناصيته وعند الطبراني بدأ بمؤخر رأسه ثم جره إلى مؤخره وعند أبي داود يبدأ بمؤخره ثم بمقدمه وبإذنه كليهما وفي لفظ مسح الراس كله من قرن الشعر كل ناحيته لمنصب الشعر لا يحرك الشعر عن هيئته وفي لفظ مسح رأسه كله وما أقبل وما أدبر وصدغيه وعند البزار من حديث أبي بكرة يرفعه توضأ ثلاثا ثلاثا وفيه مسح برأسه يقبل بيده من مقدمه إلى مؤخره ومن مؤخره إلى مقدمه وعند ابن نافع من حديث أبي هريرة وضع يديه