والغالب عليها أن تكون للغاية حتى ادعى قوم أن سائر معانيها راجعة إليها ولم أجد في هذه المعاني الخمسة عشرة مجيء من بمعنى إلى وادعى الكرماني أنها لغة قوم ولم يبين ذلك ثم أدعى أنه شاذ قلت إن استعمل بمعنى الى في كون كل منهما للغاية لأن من لابتداء الغاية و إلى لانتهاء الغاية يجوز ذلك لأن الحروف ينوب بعضها عن بعض والمراد بالغاية في قولهم ابتداء الغاية وانتهاء الغاية جميع المسافة إذ لا معنى لابتداء الغاية وانتهاء الغاية فيكون معنى الحديث حتى توضؤوا وانتهوا إلى آخرهم ولم يبق منهم أحد والشخص هو آخرهم داخل في هذا الحكم لأن السياق يقتضى العموم والمبالغة فإن قلت عند ظرف خاص واسم للحضور الحسي فالعموم من أين يأتي قلت عند هنا تجعل لمطلق الظرفية حتى تكون بمعنى في كأنه قال حتى توضأ الذين هم في آخرهم وأنس رضي الله تعالى عنه داخل في عموم لفظ الناس ولكن الأصوليين اختلفوا في أن المخاطب بكسر الطاء داخل في عموم متعلق خطابه أمرا أو نهيا أو خبرا أم غير داخل والجمهور على أنه داخل .
بيان المعاني قوله فأتوا رسول الله بوضوء وفي بعض الروايات فأتي بقدح رحراح وفي بعضها زجاج وفي بعضها جفنة وفي بعضها ميضأة وفي بعضها مزادة وفي رواية ابن المبارك فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير وروى المهلب أنه كان مقدار وضوء رجل واحد قوله وامر الناس وكانوا خمس عشرة ومائة وفي بعض الروايات ثمانمائة وفي بعضها زهاء ثلاثمائة وفي بعضها ثمانين وفي بعضها سبعين قوله ينبع من تحت أصابعه وفي بعض الروايات يفور من بين أصابعه وفي بعضها يتفجر من أصابعه كأمثال العيون وفي بعضها سكب ماء في ركوة ووضع إصبعه وبسطها وغسلها في الماء وهذه المعجزة أعظم من تفجر الحجر بالماء وقال المزني نبع الماء بين أصابعه أعظم مما أوتيه موسى E حين ضرب بعصاه الحجر في الأرض لأن الماء معهود أن يتفجر من الحجارة وليس بمعهود أن يتفجر من بين الأصابع وقال غيره وأما من لحم ودم فلم يعهد من غيره وقال القاضي عياض وهذه القضية رواها الثقات من العدد الكثير عن الجم الغفير عن الكافة متصلا عمن حدث بها من جملة الصحابة وأخبارهم أن ذلك كان في مواطن اجتماع الكثير منهم من محافل المسلمين ومجمع العساكر ولم يرو واحد من الصحابة مخالفة للراوي فيما رواه ولا إنكار عما ذكر عنهم أنهم رأوه كما رآه فسكوت الساكت منهم كنطق الناطق منهم إذ هم المنزهون عن السكوت على الباطل والمداهنة في كذب وليس هناك رغبة ولا رهبة تمنعهم فهذا النوع كله ملحق بالقطعي من معجزاته E وفيه رد على ابن بطال حيث قال في شرحه هذا الحديث شهده جماعة كثيرة من الصحابة إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس رضي الله تعالى عنه وذلك والله تعالى أعلم لطول عمره ويطلب الناس العلو في السند .
بيان استنباط الأحكام الأول فيه عدم وجوب طلب الماء للتطهر قبل دخول الوقت لأن النبي E لم ينكر عليهم التأخير فدل على الجواز وذكر ابن بطال أن إجماع الامة على أنه إن توضأ قبل الوقت فحسن ولا يجوز التيمم عند أهل الحجاز قبل دخول الوقت وأجازه العراقيون الثاني أن فيه دليلا على وجوب المواساة عند الضرورة لمن كان في مائه فضل عن وضوئه الثالث فيه دليل على أن الصلاة لا تجب إلا بدخول الوقت الرابع يستحب التماس الماى لمن كان على غير طهارة وعند دخول الوقت يجب الخامس فيه رد على من ينكر المعجزة من الملاحدة السادس إستنبط المهلب منه أن الأملاك ترتفع عند الضرورة لأنه لما أتي رسول الله E بالماء لم يكن أحد أحق به من غيره بل كانوا فيه سواء ونوقش فيه وإنما تجب المواساة عند الضرورة لمن كان في مائه فضل عن وضوئه .
33 - .
( باب الماء الذي يغسل به شعر الانسان ) .
أي هذا باب في بيان الماء الذي يغسل به شعر بني آدم .
والمناسبة بين البابين من حيث إن في الباب الأول التماس الناس الوضوء ولا يلتمس للوضوء إلا الماء الطاهر وفي هذا الباب غسل شعر الإنسان وشعر الانسان طاهر فالماء الذي يغسل به طاهر فعلم أن في كل من البابين اشتمال على حكم الماء الطاهر .
وكان عطاء لا يرى به بأسا أن يتخذ منها الخيوط والحبال