أجاب عن هذا السؤال بقوله كذلك الطلاق لا يجوز إلا بكلام وهذا الجواب واه جدا لأن بين الكلامين فرقا عظيما دقيقا لا يفهمه كما ينبغي إلا من له دقة نظر وذلك أن المراد بالكلام في الطلاق إظهار معناه فإن لم يتلفظ بلفظ الطلاق لا يقع شيء بخلاف الأخرس فإنه ليس له كلام ضرورة وإنما له الإشارة والإشارة تتضمن وجهين فلم يجز إيجاب الحد بها كالكتابة والتعريض ألا ترى أن من قال لآخر وطئت وطأ حراما لم يكن قذفا لاحتمال أن يكون وطىء وطأ شبهة فاعتقد القائل بأنه حرام والإشارة لا يتضح بها التفصيل بين المعنيين ولذلك لا يجب الحد بالتعريض وقال بعضهم وأجاب ابن القصار بالنقض عليهم بنفوذ القذف بغير اللسان العربي وهو ضعيف ونقض غيره بالقتل فإنه ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ ويتميز بالإشارة وهو قوي واحتجوا أيضا بأن اللعان شهادة وشهادة الأخرس مردودة بالإجماع وتعقب بان مالكا ذكر قبولها فلا إجماع وبأن اللعان عند الأكثرين يمين انتهى .
قلت الإيرادات المذكورة كلها غير واردة أما الأول فلأن الشرط التصريح بلفظ الزنا ولا يتأتى هذا كما ينبغي في غير لسان العرب وأما الثاني الذي قال هذا القائل وهو قوي فأضعف من الأول لأن القتل ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ والجاري مجرى الخطأ والقتل بالسبب فالتمييز عن الأخرس فيها متعذر وأما الثالثفإن شهادة الأخرس مردودة فاللعان عندنا شهادة مؤكدة باليمين فلا يحتاج أن يقول بالإجماع لأن شهادته مردودة عندنا سواء كان فيه قول بالقبول أو لا وأما الرابع فقد قلنا إن اللعان شهدة فلا مشاحة في الاصطلاح .
قوله وإلا بطل الطلاق والقذف يعني وإن لم يقل بالفرق فلا بد من بطلانهما لأن بطلان القذف فقط قوله وكذلك العتق أي كذلك حكمه حكم القذف فيجب أيضا أن تبطل إشارته بالعتق ولكنهم قالوا بصحته قوله وكذلك الأصم يلاعن أي إذا أشير إليه حتى فهم وقال المهلب في أمره إشكال لكن قد يرتفع بترداد الإشارة إلى أن ينفهم معرفة ذلك .
قوله وقال الشعبي وهو عامر بن شراحيل وقتادة بن دعامة إذا قال الأخرس لامرأته أنت طالق فأشار بأصابعه تبين منه بإشارته واحدة أو ثنتان أو ثلاث يعني إذا عبر عما نواه من العدد بالإشارة يظهر منها ما نواه من واحدة أو أكثر .
قوله وقال إبراهيم أي النخعي إذا كتب الأخرس الطلاق بيده لزمه وبه قال مالك والشافعي وقال الكوفيون إذا كان رجل أصمت أياما فكتب لم يجز من ذلك شيء وقال الطحاوي الخرس مخالف للصمت كما أن العجز عن الجماع العارض بالمرض يوما أو نحوه مخالف للعجز المأنوس منه الجماع نحو الجنون في باب خيار المرأة في الفرقة .
قوله وقال حماد أي ابن أبي سليمان شيخ أبي حينفة رضي الله تعالى عنهما الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز أي إن أشار برأسه فيما يسأل عنه وقال بعضهم كأن البخاري أراد إلزام الكوفيين بقول شيخهم قلت لم يدر هذا القائل ما مراد الشيخ من هذا ولو عرف لما قال هذا ومراد الشيخ من هذا أن إشارة الأخرس معهودة فأقيمت مقام العبارة والكوفيون قائلون به فمن أين يأتى إلزمهم .
00 - 3 - 5 - حدثنا ( قتيبة ) حدثنا ( الليث ) عن ( يحيى بن سعيد الأنصاري ) أنه سمع ( أنس بن مالك ) يقول قال رسول الله ألا اخبركم بخير دو الأنصار قالوا بلى يا رسول الله قال بنو النجار ثم الذين يلونهم بنو عبد الأشهل ثم الذين يلونهم بنو الحارث بن الخزرج ثم الذين يلونهم بنو ساعدة ثم قال بيده فقبض أصابعه ثم بسطهن كالرامي بيده ثم قال وفي كل دور الأنصار خير .
قيل هذا الحديث وما بعده لا تعلق له باللعان الذي عقد عليه الترجمة وأجيب لعلها كانت متقدمة فأخرها الناسخ عنه قلت هذا ليس بشيء بل ذكر هذا الحديث والأحاديث الأربعة التي بعدها كلها في الإشارة تحقيقا لها بفعل رسول الله في اللعان والإشارة في هذا الحديث في قوله ثم قال بيده لأن معناه ثم أشار بيده .
والحديث قد مضى في مناقب