وكلمة أن مصدرية والتقدير إني أخاف اتكالهم على مجرد الكلمة .
( باب الحياء في العلم ) .
أي هذا باب في بيان الحياء في العلم والحياء ممدود وهو تغير وانكسار يعتري الإنسان عند خوف ما يعاب أو يذم وقد مر الكلام فيه مستوفي فإن قلت ما مراده بالحياء في العلم استعماله فيه أو تركه قلت مراده كلاهما ولكن بحسب الموضع فاستعماله مطلوب في موضع وتركه مطلوب في موضع فالأول هو الذي أشار إليه بحديث أم سلمة Bها وحديث ابن عمر Bهما والثاني هو الذي أشار إليه بالأثر المروي عن مجاهد وعائشة Bهما فالحياء في القسم الأول ممدوح وفي الثاني مذموم ولكن إطلاق الحياء على هذا القسم بطريق المجاز لأنه ليس بحياء حقيقة وإنما هو عجز وكسل وسمي حياء لشبهه بالحياء الحقيقي في الترك فافهم فإن قلت ما المناسبة بين البابين قلت من حيث أنه لما كان المذكور في الباب السابق تخصيص قوم دون قوم بالعلم لمعنى ذكر فيه ذكر هذا الباب عقيبه تنبيها على أنه لا ينبغي لأحد أن يستحي من السؤال مما له فيه حاجة زاعما أن العلم مخصوص بقوم دون قوم بل عليه أن يسأل عن كل ما لا يعلمه من أمر دينه ودنياه .
( وقال مجاهد لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر ) .
مطابقة هذا الأثر الذي أخرجه معلقا على مجاهد بن جبر التابعي الكبير لترجمة الباب في الوجه الثاني من الوجهين اللذين ذكرناهما في الحياء وهو الوجه الذي فيه ترك الحياء مطلوب وهذا التعليق رواه .
قوله مستحي بإسكان الحاء وباليائين ثانيهما ساكنة من استحى يستحي فهو مستحي على وزن مستفعل ويجوز فيه مستحي بياء واحدة من استحى يستحي فهو مستحي على وزن مستفع ويجوز مستح أيضا بدون الياء على وزن مستف ويكون الذاهب فيه عين الفعل ولامه وفاؤه باق وكذلك يقال في استحييت استحيت بياء واحدة فأعلوا الياء الأولى وألقوا حركتها على الحاء قبلها استثقالا لما دخلت عليه الزوائد قال سيبويه حذفت لالتقاء الساكنين لأن الياء الأولى تقلب ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها قال وإنما فعلوا ذلك حيث كثر في كلامهم وقال المازري لم تحذف لالتقاء الساكنين لأنها لو حذفت لذلك لردوها إذا قالوا هو يستحي ولقالوا يستحيي كما قالوا يستبيع وقال الأخفش استحى بياء واحدة لغة تميم وبيائين لغة أهل الحجاز وهو الأصل لأن ما كان موضع لامه معتلا لم يعلوا عينه ألا ترى أنهم قالوا أحييت وحويت ويقولون قلت وبعت فيعلون العين لما لم تعتل اللام وإنما حذفوا الياء لكثرة استعمالهم لهذه الكلمة كما قالوا لا أدر في لا أدري قوله ولا مستكبر أي مستعظم في نفسه وهو الذي يتعاظم ويستنكف أن يتعلم العلم والاستكبار والتكبر هو التعظم وللعلم آفات فأعظمها الاستنكاف وثمرته الجهل والذلة في الدنيا والآخرة وسئل أبو حنيفة Bه بم حصلت العلم العظيم فقال ما بخلت بالإفادة ولا استنكفت عن الاستفادة .
( وقالت عائشة نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين ) .
مطابقة هذا الأثر المعلق أيضا مثل مطابقة الأثر المروي عن مجاهد وقال الكرماني وقالت عطف على وقال مجاهد ويحتمل أن يكون عطفا على لا يتعلم فيكون من مقول مجاهد أيضا والأصح أن مجاهدا سمع من عائشة Bها قلت هذا تعسف والصواب ما قاله أولا من أنه عطف على قال مجاهد فهذا من كلام مجاهد وهذا من كلام عائشة وليس لأحدهما تعلق بالآخر وهذا التعليق رواه أبو داود عن عبيد الله بن معاذ حدثنا أبي حدثنا شعبة عن إبراهيم بن مهاجر عن صفية بنت شيبة عن عائشة Bها قالت نعم النساء نساء الأنصار لم يكن يمنعهن الحياء أن يسألن عن الدين ويتفقهن فيه قوله نعم النساء كلمة نعم من أفعال المدح كما أن بئس من أفعال الذم وهي ما وضع لإنشاء مدح أو ذم وشرطها أن يكون الفاعل معرفا باللام أو مضافا إلى