وهو قبل موته بأربعة أيام قوله ائتوني بكتاب فيه حذف لأن حق الظاهر أن يقال ائتوني بما يكتب به الشيء كالدواة والقلم والكتاب بمعنى الكتابة والتقدير ائتوني بأدوات الكتابة أو يكون أراد بالكتاب ما من شأنه أن يكتب فيه نحو الكاغد والكتف وقد صرح في ( صحيح ) مسلم بالتقدير المذكور حيث قال ائتوني بالكتف والدواة والمراد بالكتف عظم الكتف لأنهم كانوا يكتبون فيه قوله اكتب لكم كتابا أي آمر بالكتابة نحو كسى الخليفة الكعبة أي أمر بالكسوة ويحتمل أن يكون على حقيقته وقد ثبت أن رسول الله E كتب بيده ولكن ورد في ( مسند أحمد ) من حديث علي Bه أنه المأمور بذلك ولفظه أمرني النبي E أن آتيه بطبق أي كتف يكتب ما لا تضل أمته من بعده واعلم أن بين الكتابين جناس تام ولكن أحدهما بالحقيقة والآخر بالمجاز قوله لا تضلوا ويروى لن تضلوا بفتح التاء وكسر الضاد من الضلالة ضد الرشاد يقال ضللت بكسر اللام أضل بكسر الضاد وهي الفصيحة وأهل العالية يقول ضللت بالكسر أضل بالفتح وجاء يضل بالكسر بمعنى ضاع وهلك .
واختلف العلماء في الكتاب الذي هم بكتابته قال الخطابي يحتمل وجهين أحدهما أنه أراد أن ينص على الإمامة بعده فترتفع تلك الفتن العظيمة كحرب الجمل وصفين وقيل أراد أن يبين كتابا فيه مهمات الأحكام ليحصل الاتفاق على المنصوص عليه ثم ظهر للنبي أن المصلحة تركه أو أوحي إليه به وقال سفيان بن عيينة أراد أن ينص على أسامي الخلفاء بعده حتى لا يقع منهم الاختلاف ويؤيده أنه E قال في أوائل مرضه وهو عند عائشة Bها ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا فإني أخاف أن يتمنى متمني ويقول قائل ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر أخرجه مسلم وللبخاري معناه ومع ذلك فلم يكتب قوله قال عمر Bه إن رسول الله E غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا قال النووي كلام عمر Bه هذا مع علمه وفضله لأنه خشي أن يكتب أمورا فيعجزوا عنها فيستحقوا العقوبة عليها لأنها منصوصة لا مجال للاجتهاد فيها وقال البيهقي قصد عمر Bه التخفيف على النبي E حين غلبه الوجع ولو كان مراده E أن يكتب ما لا يستغنون عنه لم يتركهم لاختلافهم وقال البيهقي وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قيل إن النبي E أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر Bه ثم ترك ذلك اعتمادا على ما علمه من تقدير الله تعالى وذلك كما هم في أول مرضه حين قال وارأساه ثم ترك الكتاب وقال يأبي الله والمؤمنون إلا أبا بكر ثم قدمه في الصلاة وقد كان سبق منه قوله عليه السلام إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد وأخطأ فله أجر وفي تركه الإنكار على عمر Bه دليل على استصوابه فإن قيل كيف جاز لعمر Bه أن يعترض على ما أمر به النبي E قيل له قال الخطابي لا يجوز أن يحمل قوله أنه توهم الغلط عليه أو ظن به غير ذلك مما لا يليق به بحاله لكنه لما رأى ما غلب عليه من الوجع وقرب الوفاة خاف أن يكون ذلك القول مما يقوله المريض مما لا عزيمة له فيه فيجد المنافقون بذلك سبيلا إلى الكلام في الدين وقد كانت الصحابة Bهم يراجعون النبي E في بعض الأمور قبل أن يجزم فيها كما راجعوه يوم الحديبية وفي الخلاف وفي الصلح بينه وبين قريش فإذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه أحد قال وأكثر العلماء على أنه يجوز عليه الخطأ فيما لم ينزل عليه فيه الوحي وأجمعوا كلهم على أنه لا يقر عليه قال ومعلوم أنه وإن كان قد رفع درجته فوق الخلق كلهم فلم يتنزه من العوارض البشرية فقد سها في الصلاة فلا ينكر أن يظن به حدوث بعض هذه الأمور في مرضه فيتوقف في مثل هذه الحال حتى يتبين حقيقته فلهذه المعاني وشبهها توقف عمر Bه وأجاب المازري عن السؤال بأنه لا خلاف أن الأوامر قد تقترن بها قرائن تصرفها من الندب إلى الوجوب وعكسه عند من قال إنها للوجوب وإلى الإباحة وغيرها من المعاني فلعله ظهر من القرائن ما دل على أنه لم يوجب ذلك عليهم بل جعله إلى اختيارهم ولعله اعتقد أنه صدر ذلك منه E من غير قصد جازم فظهر ذلك لعمر Bه دون غيره وقال القرطبي ائتوني أمر وكان حق المأمور أن يبادر للامتثال لكن ظهر لعمر Bه وطائفة أنه ليس على الوجوب وأنه من باب الإرشاد إلى الأصلح فكرهوا أن يكلفوه من ذلك ما يشق عليه في تلك الحالة مع استحضارهم قوله تعالى ما فرطنا في الكتاب من شيء