له على ما هو عادته في تراجم الأبواب حيث يذكر ما وقع له من قرآن أو سنة مساعدا لها ونفى بعضهم أن يكون هذا من التعاليق ولم يقم عليه دليلا فنفيه منفي إذ الأصل في العطف أن يكون بالأداة وما نص عليه ابن مالك غير مشهور بخلاف ما عليه الجمهور قوله ولقد رأيت الواو للقسم واللام للتأكيد وقد للتحقيق ورأيت بمعنى أبصرت فلذلك اكتفى بمفعول واحد قوله ينزل عليه الوحي جملة وقعت حالا وقد علم أن المضارع إذا كان مثبتا ووقع حالا لا يسوغ فيه الواو وإن كان منفيا جاز فيه الأمر أن قوله الشديد صفة جرت على غير من هي له لأنه صفة البرد لا اليوم قوله فيفصم عطف على قوله ينزل قوله عرقا نصب على التمييز .
( بيان المعاني ) قوله كيف يأتيك الوحي فيه مجاز عقلي وهو إسناد الإتيان إلى الوحي كما في أنبت الربيع البقل لأن الإنبات لله تعالى لا للربيع وهو إسناد الفعل أو معناه إلى ملابس له غير ما هو له عند المتكلم في الظاهر ويسمى هذا القسم أيضا مجازا في الإسناد وأصله كيف يأتيك حامل الوحي فأسند إلى الوحي للملابسة التي بين الحامل والمحمول وفيه من المؤكدات واو القسم أكدت به عائشة Bها ما قاله من قوله وهو أشده علي ولام التأكيد وقد التي وضعها للتحقيق في مثل هذا الموضع كما في نحو قوله تعالى ( قد أفلح من زكاها ) وذلك لأن مرادها الإشارة إلى كثرة معاناته التعب والكرب عند نزول الوحي وذلك لأنه كان إذا ورد عليه الوحي يجد له مشقة ويغشاه الكرب لثقل ما يلقى عليه قال تعالى ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ) ولذلك كان يعتريه مثل حال المحموم كما روي أنه كان يأخذه عند الوحي الرحضاء أي البهر والعرق من الشدة وأكثر ما يسمى به عرق الحمى ولذلك كان جبينه يتفصد عرقا كما يفصد وإنما كان ذلك ليبلو صبره ويحسن تأديبه فيرتاض لاحتمال ما كلفه من أعباء النبوة وقد ذكر البخاري في حديث يعلى بن أمية فأدخل رأسه فإذا رسول الله محمر الوجه وهو يغط ثم سرى عنه ومنه في حديث عبادة بن الصامت Bه قال كان نبي الله عليه وسلم إذا أنزل عليه كرب لذلك وتربد وجهه وفي حديث الإفك قالت عائشة Bها فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى أنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه قلت الرحضاء بضم الراء وفتح الحاء المهملة وبالضاد المعجمة الممدودة العرق في أثر الحمى والبهر بالضم تتابع النفس وبالفتح المصدر قوله يغط من الغطيط وهو صوت يخرجه النائم مع نفسه قوله تربد بتشديد الباء الموحدة أي تغير لونه قوله البرحاء بضم الباء الموحدة وفتح الراء وبالحاء المهملة الممدودة وهو شدة الكرب وشدة الحمى أيضا قوله مثل الجمان بضم الجيم وتخفيف الميم جمع جمانة وهي حبة تعمل من فضة كالدرة .
( بيان البيان ) فيه استعارة بالكناية وهو أن يكون الوحي مشبها برجل مثلا ويضاف إلى المشبه الإتيان الذي هو من خواص المشبه به والاستعارة بالكناية أن يكون المذكور من طرفي التشبيه هو المشبه ويراد به المشبه به هذا الذي مال إليه السكاكي وإن نظر فيه القزويني وفيه تشبيه الجبين بالعرق المفصود مبالغة في كثرة العرق ولذلك وقع عرقا تمييزا لأنه توضيح بعد إبهام وتفصيل بعد إجمال وكذلك يدل على المبالغة باب التفعل لأن أصله وضع للمبالغة والتشديد ومعناه أن الفاعل يتعانى ذلك الفعل ليحصل بمعاناته كتشجع إذ معناه استعمل الشجاعة وكلف نفسه إياها ليحصلها .
( الأسئلة والأجوبة ) الأول ما قيل أن السؤال عن كيفية إتيان الوحي والجواب على النوع الثاني من كيفية الحامل للوحي وأجيب بأنا لا نسلم أن السؤال عن كيفية إتيان الوحي بل عن كيفية حامله ولئن سلمنا فبيان كيفية الحامل مشعر بكيفية الوحي حيث قال فيكلمني أي تارة يكون كالصلصلة وتارة يكون كلاما صريحا ظاهر الفهم والدلالة قلت بل نسلم أن السؤال عن كيفية إتيان الوحي لأن بلفظة كيف يسأل عن حال الشيء فإذا قلت كيف زيد معناه أصحيح أم سقيم والجواب أيضا مطابق لأنه قال أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس غاية ما في الباب أن الجواب عن السؤال مع زيادة لأن السائل سأل عن كيفية إتيان الوحي وبينه بقوله يأتيني مثل صلصلة الجرس مع بيان حامل الوحي أيضا بقوله وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني وإنما زاد على الجواب لأنه ربما فهم من السائل أنه يعود يسأل عن كيفية حامل الوحي أيضا فأجابه