فلو بني على هيئة المساجد أو على غير هيئتها وأذن في الصلاة فيه لم يصر مسجدا وألفاظه على مراتب إحداها قوله وقفت كذا أو حبست أو سبلت أو أرضي موقوفة أو محبسة أو مسبلة فكل لفظ من هذا صريح هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور وفي وجه هذا كله كناية وفي وجه الوقف صريح والباقي كناية الثانية قوله حرمت هذه البقعة للمساكين أو أبدتها أو داري محرمة أو مؤبدة كناية على المذهب الثالثة تصدقت بهذه البقعة ليس بصريح فإن زاد معه صدقة محرمة أو محبسة أو موقوفة التحق بالصريح وقيل لا بد من التقييد بأنه لا يباع ولا يوهب وقالت الحنابلة يصح الوقف بالقول وفي الفعل الدال عليه روايتان وإن كان الوقف على آدمي معين افتقر إلى قبوله كالوصية والهبة وقال القاضي منهم لا يفتقر إلى قبوله كالعتق وفيه أن قيم الوقف له أن يتناول من غلة الوقف بالمعروف ولا يأخذ أكثر من حاجته هذا إذا لم يعين الواقف له شيئا معينا فإذا عينه له أن يأخذ ذلك قليلا أو كثيرا وفيه صحة شروط الوقف وفيه فضيلة ظاهرة لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وفيه مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير وفيه أن خيبر فتحت عنوة وأن الغانمين ملكوها واقتسموها واستقرت أملاكهم على حصصهم ونفذت تصرفاتهم فيها وفيه فضيلة صلة الأرحام والوقف عليهم وفيه أن الواقف إذا أخرجه من يده إلى متولي النظر فيه يجعله في صنف أو أصناف مختلفة إلا إذا عين الواقف الأصناف وفيه ما كان نظير الأرض التي حبسها عمر رضي الله تعالى عنه كالدور والعقارات يجوز وقفها واحتج أبو حنيفة فيما ذهب إليه بقول شريح لا حبس عن فرائض الله تعالى أخرجه الطحاوي عن سليمان بن شعيب عن أبيه عن أبي يوسف عن عطاء ابن السائب عنه ورجاله ثقات وأخرجه البيهقي في ( سننه ) بأتم منه ومعناه لا يوقف مال ولا يزوى عن ورثته ولا يمنع عن القسمة بينهم ويؤيد هذا ما رواه الطحاوي أيضا من حديث عكرمة عن ابن عباس قال سمعت رسول الله يقول بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل فيها الفرائض نهى عن الحبس وأخرجه البيهقي أيضا وقال وفي سنده ابن لهيعة وأخوه عيسى وهما ضعيفان قلت ما لابن لهيعة وقد قال ابن وهب كان ابن لهيعة صادقا وقال في موضع آخر وحدثني الصادق البار والله ابن لهيعة وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل يقول ما كان محدث مصر إلا ابن لهيعة وعنه من مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه ولهذا حدث عنه أحمد في ( مسنده ) بحديث كثير وأما أخوه عيسى فإن ابن حبان ذكره في ( الثقات ) وقال الطحاوي هذا شريح وهو قاضي عمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم قد روى عنه هذا ووافق أبا حنيفة في هذا عطاء بن السائب وأبو بكر بن محمد وزفر بن الهذيل فإن قلت ما تقول في وقف رسول الله وفي أوقاف الصحابة بعد موت رسول الله قلت أما وقف رسول الله فإنما جاز لأن المانع وقوعه حبسا عن فرائض الله ووقفه E لم يقع حبسا عن فرائض الله تعالى لقوله إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة وأما أوقاف الصحابة بعد موته فاحتمل أن ورثتهم أمضوها بالإجازة هذا هو الظاهر فإن قلت قال البيهقي ولو صح هذا الخبر لكان منسوخا قلت النسخ لا يثبت إلا بدليل ولم يبين دليله في ذلك فمجرد الدعوى غير صحيح والجواب عن حديث الباب أن قوله إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها لا يستلزم إخراجها عن ملكه ولكنها تكون جارية على ما أجراها عليه من ذلك ما تركها ويكون له فسخ ذلك متى شاء ويؤيد هذا ما رواه الطحاوي وقال حدثنا يونس قال أخبرنا ابن وهب أن مالكا أخبره عن زياد بن سعد عن ابن شهاب أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال إني لولا ذكرت صدقتي لرسول الله أو نحو هذا لرددتها فلما قال عمر هذا دل أن نفس الإيقاف للأرض لم يكن يمنعه من الرجوع فيها وإنما منعه من الرجوع فيها أن رسول الله أمره فيها بشيء وفارقه على الوفاء به فكره أن يرجع عن ذلك كما كره عبد الله بن عمرو أن يرجع بعد موت رسول الله عن الصوم الذي كان فارقه عليه أنه يفعله وقد كان له أن لا يصوم فإن قلت قال ابن حزم هذا الخبر منكر وبلية من البلايا وكذب بلا شك قلت قوله هذا بلية وكذب وتهافت عظيم وكيف يقول هذا القول السخيف والحال أن رجاله علماء ثقات فيونس من رجال مسلم والبقية من رجال ( الصحيح ) على ما لا يخفى والله أعلم بحقيقة الحال .
بسم الله الرحمان الرحيم