الغالب إذ كانت عادتهم الحلف بمثله وذلك لأن الغالب أن مثله كان يقع في آخر النهار حيث أرادوا الانعزال عن السوق والفراغ عن معاملتهم وقيل خصص العصر بالذكر لما فيه من زيادة الجراءة إذ التوحيد هو أساس التنزيهات والعصر هو وقت صعود ملائكة النهار ولهذا يغلظ في إيمان اللعان به وقيل لأن وقت العصر وقت تعظم فيه المعاصي لارتفاع الملائكة بالأعمال إلى الرب تعالى فيعظم أن يرتفعوا بالمعاصي ويكون آخر عمله هو المرفوع فالخواتم هي المرجوة وإن كانت اليمين الفاجرة محرمة كل وقت قوله لقد أعطيت على صيغة المجهول وقد أكد يمينه الفاجرة بمؤكدات وهي بتوحيد الله تعالى وباللام وكلمة قد التي للتحقيق هنا قوله فصدقه رجل أي المشتري واشتراه بذلك الثمن الذي حلف أنه أعطيه بكذا اعتمادا على حلفه .
( ومما يستفاد منه ) ما ذكرنا أن صاحب الماء أولى به عند حاجته وفي التوضيح فإذا كان الماء مما يحل منعه منع إلا بالثمن إلا أن لا يكون معهم وأما المواشي والسقاة التي لا يحل منع مائها فلا يمنعون فإن منعوا قوتلوا وكان هدرا وإن أصيب طالب الماء كانت ديته على صاحب الماء مع العقوبة والسجن كذا قاله الداودي وقال ابن التين أنها على عاقلته إن مات عطشا وإن أصيب أحد من المسافرين أخذ به جميع ما نعى وقتلوا به - .
6 - .
( باب سكر الأنهار ) .
أي هذا باب في بيان حكم سكر الأنهار السكر بفتح السين المهملة وسكون الكاف سد الماء وحبسه يقال سكرت النهر إذا سددته وقال صاحب ( العين ) السكر اسم ذلك السد وقال ابن دريد وأصله من سكرت الريح سكن هبوبها وفي ( المغرب ) السكر بالكسر الاسم وقد جاء فيه الفتح على تسميته بالمصدر .
حدثنا ( عبد الله بن يوسف ) قال حدثنا ( الليث ) قال حدثني ( ابن شهاب ) عن ( عروة ) عن ( عبد لله بن الزبير ) رضي الله تعالى عنهما أنه حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عن النبي في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما عند النبي فقال رسول الله للزبير اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال إن كان ابن عمتك فتلون وجه رسول الله ثم قال إسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير والله إني لأحسب أن هذه الآية نزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ( النساء 56 ) .
مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله سرح الماء يمر فأبى عليه أي امتنع عليه ولم يسرح الماء بل سكره والحديث صورته صورة الإرسال ولكنه متصل في المعنى .
وأخرجه مسلم في فضائل النبي عن قتيبة ومحمد بن رمح وأخرجه أبو داود في القضايا عن أبي الوليد الطيالسي وأخرجه الترمذي في الأحكام وفي التفسير عن قتيبة وأخرجه النسائي في القضاء وفي التفسير عن قتيبة به وأخرجه ابن ماجه في السنة وفي الأحكام عن محمد بن رمح به .
قوله رجلا من الأنصار خاصم الزبير يعني الزبير بن العوام أحد العشرة المبشرة بالجنة قال شيخنا لم يقع تسمية هذا الرجل في شيء من طرق الحديث فيما وقفت عليه ولعل الزبير وبقية الرواة أرادوا ستره لما وقع منه وحكى الداودي فيما نقله القاضي عياض عنه أن هذا الرجل كان منافقا فإن قلت ذكر فيه أنه من الأنصار قلت قال النووي لا يخالف هذا قوله فيه أنه من الأنصار لأنه يكون من قبيلتهم لا من أنصار المسلمين قلت يعكر على هذا قول البخاري في كتاب الصلح أنه من الأنصار قد شهد بدرا ويدل عليه أيضا قوله في الحديث في رواية الترمذي وغيره فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله ولم يكن غير المسلمين يخاطبونه بقولهم يا رسول الله وإنما كانوا يقولون يا محمد ولكن أجاب الداودي عن هذا الرجل بعد أن جزم أنه كان منافقا بأنه وقع منه ذلك قبل شهوده