واختلف الفقهاء في المرأة يطلقها زوجها من حين العقد عليها بحضرة الحاكم والشهود فتأتي بولد لستة أشهر فصاعدا من ذلك الوقت عقيب العقد فقال مالك والشافعي لا يلحق به لأنها ليست بفراش له إذا لم يتمكن من الوطء فيه العصمة وهو كالصغير أو الصغيرة اللذين لا يمكن منهما الولد وقال أبو حنيفة وأصحابه هي فراش له ويلحق به ولدها واختلفوا في الأمة فقال مالك إذا أقر بوطئها صارت فراشا إن لم يدع استبراء الحق به ولدها وإن ادعى استبراء حلفه وبريء من ولدها وقال العراقيون لا تكون الأمة فراشا بالوطء إلا بأن يدعي سيدها ولدها وأما إن نفاه فلا يلحق به سواء أقر بوطئها أو لم يقر وسواء استبرأ أو لم يستبرىء قوله وللعاهر الحجر العاهر الزاني وقد عهر يعهر عهرا وعهورا إذا أتى المرأة ليلا للفجور بها ثم غلب على الزنا مطلقا وقد عهر الرجل إلى المرأة ويعهر إذا أتاها للفجور وقد عيهرت هي وتعيهر إذا زنت والعهر الزنا ومنه الحديث اللهم أبدله بالعهر العفة ثم معنى قوله وللعاهر الحجر أن الزاني له الخيبة ولا حظ له في الولد والعرب تجعل هذا مثلا في الخيبة كما يقال له التراب إذا أرادوا له الخيبة وقيل الولد لصاحب الفراش من الزوج أو السيد وللزاني الخيبة والحرمان كقولك ما لك عندي شيء غير التراب وما بيدك غير الحجر وقال بعضهم كني بالحجر عن الرجم وليس كذلك لأنه ليس كل زان يرجم وإنما يرجم المحصن خاصة قوله احتجبي منه أشكل معناه قديما على العلماء فذهب أكثر القائلين بأن الحرام لا يحرم الحلال وأن الزنا لا تأثير له في التحريم وهو قول عبد الملك بن الماجشون إلا أن قوله كان ذلك منه على وجه الاختيار والتنزه وأن للرجل أن يمنع امرأته من رؤية أخيها هذا قول الشافعي وقالت طائفة كان ذلك منه لقطع الذريعة بعد حكمه بالظاهر فكأنه حكم بحكمين حكم ظاهر وهو الولد للفراش وحكم باطن وهو الاحتجاب من أجل الشبه كأنه قال ليس بأخ لك يا سودة إلا في حكم الله تعالى فأمرها بالاحتجاب منه قوله لما رأى من شبهه بعتبة هو بفتح الشين والباء وبكسر الشين مع سكون الباء .
( ذكر ما يستفاد منه ) أصل القضية فيه أنهم كانت لهم في الجاهلية إماء يبغين أن يزنين وكانت السادة تأتيهن في خلال ذلك فإذا أتت إحداهن بولد فربما يدعيه السيد وربما يدعيه الزاني فإن مات السيد ولم يكن ادعاه ولا أنكره فادعاه ورثته به ولحق إلا أنه لا يشارك مستلحقه في ميراثه إلا أن يستلحقه قبل القسمة وإن كان السيد أنكره لم يلحق به وكان لزمعة ابن قيس والد سودة زوج النبي أمة على ما وصف من أن عليها ضريبة وهو يلم بها فظهر بها حمل كان يظن أنه من عتبة أخي سعد بن أبي وقاص وهلك كافرا فعهد إلى أخيه سعد قبل موته فقال استلحق الحمل الذي بأمة زمعة فلما استلحقه سعد خاصمه عبد بن زمعة فقال سعد هو ابن أخي يشير إلى ما كانوا عليه في الجاهلية وقال عبد بن زمعة بل هو أخي ولد على فراش أبي يشير إلى ما استقر عليه الحكم في الإسلام فقضى رسول الله لعبد بن زمعة إبطالا لحكم الجاهلية ثم الذي يستفاد منها على أنواع .
منها أن أبا حنيفة أخذ من قوله احتجبي منه أن من فجر بامرأة حرمت على أولاده وبه قال أحمد وهو مذهب الأوزاعي والثوري وقال مالك والشافعي وأبو ثور لا يحرم والاحتجاب للتنزيه وقال أصحابنا الأمر للوجوب والحديث حجة عليهم ومنها ما قال أبو عمر الحكم للظاهر لأنه حكم للولد بالفراش ولم يلتفت إلى الشبه وكذلك حكم في اللعان بظاهر الحكم ولم يلتفت إلى ما جاءت به على النعت المكروه وحكم الحاكم لا يحل الأمر في الباطل لأمره سودة بالاحتجاب .
ومنها أن الشافعي تمسك بقول عبد أخي على أن الأخ يجوز أن يستلحق الوارث نسبا للورثة بشرط أن يكون حائزا للإرث أو يستلحقه كل الورثة وبشرط أن يمكن كون المستلحق ولدا للميت وبشرط أن لا يكون معروف النسب من غيره وبشرط أن يصدقه المستلحق إن كان بالغا عاقلا وقال النووي وهذه الشروط كلها موجودة في هذا الولد الذي ألحقه النبي بزمعة حين استلحقه عبد قال وتأول أصحابنا هذا بتأويلين أحدهما أن سودة أخت عبد استلحقته معه ووافقته في ذلك حتى يكون كل الورثة مستلحقين