عبد الرحمن بن إسحاق ما أقول لكما هذا أن تكونا تظنان شرا ولكن قد علمت أن الشيطان يجري من بن آدم مجرى الدم قوله وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا وفي رواية معمر سوأ أو قال شيئا وفي رواية مسلم وأبي داود وأحمد في حديث معمر شرا بشين معجمة وراء بدل سوأ وفي رواية هشيم إني خفت أن يدخل عليكما شيئا وقال الشافعي في معناه إنه خاف عليهما الكفر لو ظنا به ظن التهمة فبادر إلى إعلامهما بمكانهما نصيحة لهما في أمر الدين قبل أن يقذف الشيطان في قلوبهما أمرا يهلكان به .
وفي ( التلويح ) ظن السوء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام كفر بالإجماع ولهذا إن البزار لما ذكر حديث صفية هذا قال هذه أحاديث مناكير لأن النبي كان أطهر وأجل من أن يرى أن أحدا يظن به ذلك ولا يظن برسول الله ظن السوء إلا كافر أو منافق وقال بعضهم وغفل البزار فطعن في حديث صفية هذا واستبعد وقوعه ولم يأت بطائل قلت كيف لم يأت بطائل لأنه ذب عن رسول الله وكل من ذب عن رسول الله أينكر عليه في ( التلويح ) فإن قال قائل هذه الأخبار قد رواها قوم ثقات ونقلها أهل العلم بالأخبار قيل له العلة التي بيناها لا خفاء بها ويجب على كل مسلم القول بها والذب عن رسول الله وإن كان الراوون لها ثقات فلا يعرون عن الخطأ والنسيان والغلط وقال أبو الشيخ عند ذكر هذا الحديث وبوب له قال إنه غير محفوظ قوله في رواية معمر يجري من ابن آدم مجرى الدم قيل هو على ظاهره وأن الله D جعل له قوة على ذلك وقيل هو على الإستعارة لكثرة أعوانه ووسوسته فكأنه لا يفارق الإنسان كما لا يفارقه دم وقيل إنه يلقي وسوسته في مسام لطيفة من البدن فتصل الوسوسة إلى القلب وزعم ابن خالويه في كتاب ( ليس ) أن الشيطان ليس له تسلط على الناس وعلى أن يأتي العبد من فوقه قال الله تعالى ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ( الأعراف 71 ) ولم يقل من فوقهم لأن رحمة الله تعالى تنزل من فوق .
ذكر ما يستفاد منه فيه جواز اشتغال المعتكف بالأمور المباحة من تشييع زائره والقيام معه والحديث معه وله قراءة القرآن والحديث والعلم والتدريس وكتابة أمور الدين وسماع العلم وقال أبو الطيب في ( المجرد ) قال الشافعي في ( الأم ) و ( الجامع الكبير ) لا بأس بأن يقص في المسجد لأن القصص وعظ وتذكير وقال النووي ما قاله الشافعي محمول على الأحاديث المشهورة والمغازي والرقائق مما ليس فيه موضع كلام ولا ما لا تحتمله عقول العوام ولا ما يذكره أهل التواريخ وقصص الأنبياء وحكاياتهم أن بعض الأنبياء جرى له كذا من فتنة ونحوها فإن كل هذا يمنع منه واستدل الطحاوي بشغله مع صفية على جواز اشتغال المعتكف بالمباح من الأفعال وفي ( جوامع الفقه ) يكره التعليم فيه بأجر أي في المسجد وكذا كتابة المصحف بأجر وقيل إن كان الخياط يحفظ المسجد فلا بأس بأن يخيط ولا يستطرقه إلا لعذر ويكره على سطحه ما يكره فيه بخلاف مسجد البيت قلت هذا في غير المعتكف ففي حق المعتكف بطريق الأولى ومن المباح للمعتكف أن يبيع ويشتري من غير أن يحضر السلعة وفي ( الذخيرة ) له أن يبيع ويشتري قال أراد به الطعام وما لا بد منه وأما إذا أراد أن يتخذ ذلك متجرا يكره له ذلك وفيه إباحة خلوة المعتكف بالزوجة وفيه إباحة زيارة المرأة للمعتكف وفيه بيان شفقته على أمته وإرشادهم إلى ما يدفع عنهم الإثم وفيه استحباب التحرز من التعرض لسوء الظن وطلب السلامة والاعتذار بالأعذار الصحيحة تعليما للأمة وفيه جواز خروج المرأة ليلا وفيه قول سبحان الله عند التعجب وقال بعضهم واستدل به أبو يوسف ومحمد في جواز تمادي المعتكف إذا خرج من مكان اعتكافه لحاجته وأقام زمنا يسيرا زائدا عن الحاجة ولا دلالة فيه لأنه لم يثبت أن منزل صفية كان بينه وبين المسجد فاصل زائد وقد حدوا اليسير بنصف يوم وليس في الخبر ما يدل عليه انتهى قلت ليس مذهب أبي يوسف ومحمد في حد اليسير بنصف يوم وإنما مذهبهما أنه إذا خرج أكثر النهار يفسد اعتكافه لأن في القليل ضرورة والعجب منهم أنهم ينقلون عن أحد من أصحابنا ما هو ليس مذهبه ثم يردون عليه بما لا وجه له ففي أي كتاب من كتب أصحابنا ذكر أنهما حدا اليسير