وقد مر الكلام فيه في باب السجود على الأنف في الطين ونتكلم أيضا زيادة للبيان فقوله أبا سعيد هو الخدري واسمه سعد بن مالك وهنا لم يذكر المسؤل عنه في هذه الطريق وفي رواية علي بن المبارك تأتي في الاعتكاف سألت أبا سعيد هل سمعت رسول الله يذكر ليلة القدر فقال نعم فذكر الحديث وفي رواية مسلم من طريق معمر عن يحيى تذاكرنا ليلة القدر في نفر من قريش فأتيت أبا سعيد فذكره وفي رواية همام عن يحيى في باب السجود في الماء والطين من صفة الصلاة انطلقت إلى أبي سعيد فقلت ألا تخرج بنا إلى النخل نتحدث فخرج فقلت حدثني ما سمعت من النبي في ليلة القدر فأفاد بيان سبب السؤال قوله اعتكفنا مع النبي العشر الأوسط هكذا وقع في أكثر الروايات والمراد من العشر الليالي وكان من حقها أن توصف بلفظ التأنيث لأن المشهور في الاستعمال تأنيث العشر وأما تذكيره فهو باعتبار الوقت أو الزمان ووقع في الموطأ العشر الوسط بضم الواو وفتح السين جمع وسطى مثل كبر وكبرى ورواه الباجي في الموطأ بإسكانها على أنه جمع واسط كبازل وبزل ووقع في رواية محمد بن إبراهيم في الباب الذي يليه كان يجاوز العشر التي في وسط الشهر وفي رواية مالك الآتية في أول الاعتكاف كان يعتكف وفي رواية لمسلم من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد اعتكف العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له قال فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد وزاد في رواية عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم أنه اعتكف العشر الأول ثم اعتكف العشر الأوسط ثم اعتكف العشر الأواخر ومثله في رواية همام المذكورة وزاد فيها أن جبريل عليه السلام أتاه في المرتين فقال له إن الذي تطلب أمامك بفتح الهمزة أي قدامك قال الطيبي وصف الأول والأوسط بالمفرد والأخير بالجمع إشارة إلى تصور ليلة القدر في كل ليلة من ليالي العشر الأخير دون الأولين قوله فخرج صبيحة عشرين فخطبنا ( فإن قلت ) يشكل على هذا رواية مالك من حديث أبي سعيد على ما يأتي فإن فيه كان يعتكف في العشر الأوسط من رمضان فاعتكف عاما حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها من اعتكافه ( قلت ) معنى قوله وهي الليلة التي يخرج من صبيحتها أي من الصبح الذي قبلها فيكون في إضافة الصبح إليها تجوز ويوضحه أن في رواية الباب الذي يليه فإذا كان حين يمسي من عشرين ليلة تمضي وتستقبل إحدى وعشرين رجع إلى مسكنه قوله وقال إني أريت على صيغة المجهول من الرؤيا أي أعلمت بها أو من الرؤية أي أبصرتها وإنما أرى علامتها وهو السجود في الماء والطين كما وقع في رواية همام في باب السجود على الأنف في الطين قوله ثم أنسيتها من الإنساء قوله أو نسيتها شك من الراوي من التنسية فالأول من باب الأفعال والثاني من باب التفعيل والمعنى أنه أنسى علم تعيينها في تلك السنة وسيأتي سبب النسيان في حديث عبادة بن الصامت Bه بعد باب وقال الكرماني وأنسيتها وفي بعضها من النسيان ثم قال ( فإن قلت ) إذا جاز النسيان في هذه المسألة جاز في غيرها فيفوت منه التبليغ إلى الأمة ( قلت ) نسيان الأحكام التي يجب عليه التبليغ لها لا يجوز ولو جاز ووقع لذكره الله تعالى قوله في الوتر أي أوتار الليالي كليلة الحادي والعشرين والثالث والعشرين لا في إشفاعها قوله إني أسجد وفي رواية الكشميهني أن أسجد قوله فليرجع أي إلى معتكفه في العشر الأوسط لأنهم كانوا معتكفين في العشر المتقدم على العشر الأخر قوله قزعة بفتح القاف والزاي والعين المهملة وهي القطعة الرقيقة من السحاب قوله فمطرت بالفتحات ويأتي في الباب الذي يليه من وجه آخر فاستهلت السماء فأمطرت قوله حتى سال سقف المسجد وفيه مجاز من قبيل ذكر المحل وإرادة الحال كما يقال سال الوادي وفي رواية مالك فوكف المسجد أي قطر الماء من سقفه قوله وكان من جريد النخل الجريد سعف النخل سميت به لأنه قد جرد عنه خوصه .
( ذكر ما يستفاد منه ) فيه ترك مسح جبهة المصلي من أثر التراب وفيه جواز السجود في الطين وفيه الأمر بطلب الأولى والإرشاد إلى تحصيل الأفضل وفيه أن النسيان جائز على النبي لكن لا في الأحكام كما مر ذكره وفيه جواز استعمال لفظ رمضان بدون ذكر شهر وفيه استحباب الاعتكاف وترجيحه في العشر الأخير