الكلام وليس في كلام العرب كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة كما قالوا في الفلاح ليس في كلام العرب كلمة مفردة تستوفى بها العبارة عن معنى ما جمعت من خير الدنيا والآخرة أما النصيحة لله تعالى فمعناها يرجع إلى الإيمان به ونفي الشرك عنه وترك الإلحاد في صفاته ووصفه بصفات الجلال والكمال وتنزيهه تعالى عن النقائص والقيام بطاعته واجتناب معصيته وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه والاعتراف بنعمته وشكره عليها والإخلاص في جميع الأمور قال وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصيحة نفسه فإنه تعالى غني عن نصح الناصح وعن العالمين وأما النصيحة لكتابة سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيهه بأنه لا يشبهه شيء من كلام الخلق ولا يقدر على مثله أحد من المخلوقات ثم تعظيمه وتلاوته حق تلاوته وإقامة حروفه في التلاوة والتصديق بما فيه وتفهم علومه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه والبحث عن ناسخه ومنسوخه وعمومه وخصوصه وسائر وجوهه ونشر علومه والدعاء إليه وأما النصيحة لرسوله E فتصديقه على الرسالة والإيمان بجميع ما جاء به وطاعته في أوامره ونواهيه ونصرته حيا وميتا وإعظام حقه وإحياء سنته والتلطف في تعلمها وتعليمها والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة أهل بيته وأصحابه وأما النصيحة للأئمة فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم برفق وترك الخروج عليهم بالسيف ونحوه والصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم هذا على المشهور من أن المراد من الأئمة أصحاب الحكومة كالخلفاء والولاة وقد يؤول بعلماء الدين ونصيحتهم قبول ما رووه وتقليدهم في الأحكام وإحسان الظن بهم وأما نصيحة العامة فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم وتعليم ما جهلوا وإعانتهم على البر والتقوى وستر عوراتهم والشفقة عليهم وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير .
السابع في الحديث فوائد منها ما قيل إن الدين يطلق على العمل لكونه سمى النصيحة دينا ومنها إن النصيحة فرض على الكفاية لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه فإن خشي فهو في سعة فيجب على من علم بالمبيع عيبا أن يبينه بائعا كان أو أجنبيا ويجب على الوكيل والشريك والخازن النصح ومنها أن النصيحة كما هي فرض للمذكورين فكذلك هي فرض لنفسه بأن ينصحها بامتثال الأوامر واجتناب المناهي .
الثامن قوله تعالى إذا نصحوا لله ورسوله ( التوبة 91 ) في سورة براءة وأول الآية ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ( التوبة 91 ) الآية أكد الحديث المذكور بهذه الآية والمراد بالضعفاء الزمنى والهرمى والذين لا يجدون الفقراء والنصح لله ورسوله الإيمان بهما وطاعتهما في السر والعلن .
57 - حدثنا ( مسدد ) قال حدثنا ( يحيى ) عن ( إسماعيل ) قال حدثني ( قيس بن أبي حازم ) عن ( جرير بن عبد الله ) قال بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم .
مطابقة الحديث للترجمة ظاهرة لأن المذكور فيه والنصح لكل مسلم وفي الترجمة لعامة المسلمين ومراد البخاري من الترجمة وقوع الدين على العمل فإنه سمى النصيحة دينا وقال ابن بطال مقصوده الرد على من زعم أن الإسلام القول دون العمل وهو ظاهر العكس لأنه لما بايعه على الإسلام شرط عليه والنصح لكل مسلم فلو دخل في الإسلام لما استأنف له بيعة .
بيان رجالهوهم خمسة الأول مسدد بن مسرهد تقدم الثاني يحيى بن سعيد القطان تقدم الثالث إسماعيل بن أبي خالد البجلي التابعي تقدم الرابع قيس بن أبي حازم بالحاء المهملة والزاي المعجمة واسمه عبد عوف ويقال عوف بن عبد الحارث بن الحارث بن عوف الأحمسي البجلي الكوفي التابعي المخضرم أدرك الجاهلية وجاء ليبايع النبي فقبض وهو في الطريق ووالده صحابي سمع خلقا من الصحابة منهم العشرة المشهود لهم بالجنة وليس في التابعين من يروي عنهم غيره وقيل لم يسمع من عبد الرحمن بن عوف وعنه جماعة من التابعين وجلالته متفق عليها وهو أجود الناس إسنادا كما قاله أبو داود ومن طرف أحواله أنه روى عن جماعة من الصحابة لم يرو عنهم غيره منهم أبوه ودكين بن سعيد والصنابح بن الأعسر ومرداس الأسلمي رضي الله تعالى عنهم مات سنة أربع وقيل سبع وثمانين وقيل سنة ثمان