الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمرو بن العاص Bهم أن النبي قال الهجرة خصلتان إحداهما تهجر السيئات والأخرى تهاجر إلى الله وإلى رسوله ولا تنقطع الهجرة ما تقبلت التوبة ولا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من مغربها فإذا طلعت طبع الله على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل وروى أحمد أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال جاء رجل أعرابي فقال يا رسول الله أين الهجرة إليك حيث كنت أم إلى أرض معلومة أم لقوم خاصة أم إذا مت انقطعت قال فسكت رسول الله ساعة ثم قال أين السائل عن الهجرة قال ها أنا ذا يا رسول الله قال إذا أقمت الصلاة وآتيت الزكاة فأنت مهاجر وإن مت بالخضرمة قال يعني أرضا باليمامة وفي رواية له الهجرة أن تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم أنت مهاجر وإن مت بالخضرمة .
( استنباط الأحكام ) وهو على وجوه الأول احتجت الأئمة الثلاثة به في وجوب النية في الوضوء والغسل فقالوا التقدير فيه صحة الأعمال بالنيات والألف واللام فيه لاستغراق الجنس فيدخل فيه جميع الأعمال من الصوم والصلاة والزكاة والحج والوضوء وغير ذلك مما يطلب فيه النية عملا بالعموم ويدخل فيه أيضا الطلاق والعتاق لأن النية إذا قارنت الكناية كانت كالصريح وقال النووي تقديره إنما الأعمال تحسب إذا كانت بنية ولا تحسب إذا كانت بلا نية وفيه دليل على أن الطهارة وسائر العبادات لا تصح إلا بنية وقال الخطابي قوله إنما الأعمال بالنيات لم يرد به أعيان الأعمال لأنها حاصلة حسا وعيانا بغير نية وإنما معناه أن صحة أحكام الأعمال في حق الدين إنما تقع بالنية وأن النية هي الفاصلة بين ما يصح وما لا يصح وكلمة إنما عاملة بركنيها إيجابا ونفيا فهي تثبت الشيء وتنفي ما عداه فدلالتها أن العبادة إذا صحبتها النية صحت وإذا لم تصحبها لم تصح ومقتضى حق العموم فيها يوجب أن لا يصح عمل من الأعمال الدينية أقوالها وأفعالها فرضها ونفلها قليلها وكثيرها إلا بنية وقال البيضاوي الحديث متروك الظاهر لأن الذوات غير منتفية والمراد به نفي أحكامها كالصحة والفضيلة والحمل على نفي الصحة أولى لأنه أشبه بنفي الشيء نفسه ولأن اللفظ يدل بالتصريح على نفي الذات وبالتبع على نفي جميع الصفات فلما منع الدليل دلالته على نفي الذات بقي دلالته على نفي جميع الصفات وقال الطيبي كل من الأعمال والنيات جمع محلى باللام الاستغراقية فأما أن يحملا على عرف اللغة فيكون الاستغراق حقيقيا أو على عرف الشرع وحينئذ إما أن يراد بالأعمال الواجبات والمندوبات والمباحات وبالنيات الإخلاص والرياء أو أن يراد بالأعمال الواجبات وما لا يصح إلا بالنية كالصلاة لا سبيل إلى اللغوي لأنه ما بعث إلا لبيان الشرع فكيف يتصدى لما لا جدوى له فيه فحينئذ يحمل إنما الأعمال بالنيات على ما اتفق عليه أصحابنا أي ما الأعمال محسوبة لشيء من الأشياء كالشروع فيها والتلبس بها إلا بالنيات وما خلا عنها لم يعتد بها فإن قيل لم خصصت متعلق الخبر والظاهر العموم كمستقر أو حاصل فالجواب أنه حينئذ يكون بيانا للغة لا إثباتا لحكم الشرع وقد سبق بطلانه ويحمل إنما لكل امرىء ما نوى على ما تثمره النيات من القبول والرد والثواب والعقاب ففهم من الأول إنما الأعمال لا تكون محسوبة ومسقطة للقضاء إلا إذا كانت مقرونة بالنيات ومن الثاني أن النيات إنما تكون مقبولة إذا كانت مقرونة بالإخلاص انتهى وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد وزفر والثوري والأوزاعي والحسن بن حي ومالك في رواية إلى أن الوضوء لا يحتاج إلى نية وكذلك الغسل وزاد الأوزاعي والحسن التيمم وقال عطاء ومجاهد لا يحتاج صيام رمضان إلى نية إلا أن يكون مسافرا أو مريضا وقالوا التقدير فيه كمال الأعمال بالنيات أو ثوابها أو نحو ذلك لأنه الذي يطرد فإن كثيرا من الأعمال يوجد ويعتبر شرعا بدونها ولأن إضمار الثواب متفق عليه على إرادته ولأنه يلزم من انتفاء الصحة انتفاء الثواب دون العكس فكان هذا أقل إضمارا فهو أولى ولأن إضمار الجواز والصحة يؤدي إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد وهو ممتنع لأن العامل في قوله بالنيات مفرد بإجماع النحاة فلا يجوز أن يتعلق بالأعمال لأنها رفع بالابتداء فيبقى بلا خبر فلا يجوز فالتقدير إما مجزئة أو صحيحة أو مثيبة فالمثيبة أولى بالتقدير لوجهين أحدهما أن عند عدم النية لا يبطل أصل العمل وعلى إضمار الصحة والإجزاء يبطل فلا يبطل بالشك والثاني أن قوله ولكل امرىء ما نوى يدل على الثواب والأجر لأن الذي له إنما هو الثواب وأما العمل فعليه وقالوا في هذا كله نظر من وجوه الأول أنه لا حاجة إلى إضمار