من الإغارة أي كيما ندفع ونفيض للنحر وغيره وذلك من قولهم أغار الفرس إغارة الثعلب وذلك إذا دفع وأسرع في دفعه وقال ابن التين وضبطه بعضهم بسكون الراء في ثبير ونغير لإرادة السجع قلت لأنه من محسنات الكلام قوله ثم أفاض يحتمل أن يكون فاعله عمر رضي الله تعالى عنه ووجهه أن يكون ثم أفاض عطفا على قوله إن المشركين لا يفيضون حتى تطلع الشمس وفيه بعد والذي يقتضيه التركيب أن فاعله هو النبي لأنه عطف على قوله خالفهم ويؤيد هذا ما وقع في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة عند الترمذي فأفاض بالفاء وفي رواية الثوري فخالفهم النبي فأفاض وفي رواية الطبري من طريق زكريا عن أبي إسحاق بسنده كان المشركون لا ينفرون حتى تطلع الشمس وأن رسول الله كره ذلك فنفر قبل طلوع الشمس وله من رواية إسرائيل فدفع بقدر صلاة القوم المسفرين لصلاة الغداة وأظهر من ذلك وأقوى للدلالة على أنه النبي ما رواه مسلم من حديث جابر الطويل وفيه ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس .
ذكر ما يستفاد منه فيه الوقوف بمزدلفة وقد ذكرنا أنه إذا ترك الوقوف بها بعد الصبح من غير عذر فعليه دم وإن كان بعذر الزحام فتعجل السير إلى منى فلا شيء عليه وفيه الإفاضة قبل طلوع الشمس من يوم النحر واختلفوا في الوقت الأفضل للإفاضة فذهب الشافعي إلى أنه إنما يستحب بعد كمال الإسفار وهو مذهب الجمهور لحديث جابر الطويل وفيه فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس وذهب مالك إلى استحباب الإفاضة من المزدلفة قبل الأسفار والحديث حجة عليه وروى ابن خزيمة والطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كان أهل الجاهلية يقفون بالمزدلفة حتى إذا طلعت الشمس فكانت على رؤوس الجبال كأنها العمائم على رؤوس الرجال دفعوا فدفع رسول الله حين أسفر كل شيء قبل أن تطلع الشمس وروى البيهقي من حديث المسور بن مخرمة نحوه .
101 - .
( باب التلبية والتكبير غداة النحر حين يرمي الجمرة والارتداف في السير ) .
أي هذا باب في بيان التلبية والتكبير غداة يوم النحر حى يرمي جمرة العقبة وفي رواية الكشميهني حتى يرمي جمرة العقبة قوله والارتداف بالجر عطف على المجرور فيما قبله أي وفي بيان الإرتداف وهو الركوب خلف الراكب في السير من مزدلفة إلى منى وهذه الترجمة مشتملة على ثلاثة أجزاء التلبية وهي أن يقول لبيك اللهم إلى آخره والتكبير وهو أن يكبر الله تعالى والارتداف وهو الركوب خلف الراكب وقال الكرماني ليس في الحديث ذكر التكبير فكيف دلالته عليه ثم أجاب بأن المراد به الذكر الذي في خلال التلبية وهو مختصر من الحديث الذي فيه ذكر التكبير أو غرضه أن يستدل بالحديث على أن التكبير غير مشروع إذ لفظ لم يزل دليل على إدامة التلبية انتهى قلت قوله أو غرضه إلى آخره فيه بعد وهو عبارة خشنة والجواب الصحيح فيه أنه قد جرت عادة البخاري أنه إذا ذكر ترجمة ذات أجزاء وليس في حديث الباب ذكر هذه الأجزاء كلها ولكن كان حديث آخر ذكر فيه ذلك الجزء الذي لم يذكره أنه يشير إليه بذكره في الترجمة لينتهض الطالب ويبحث عنه وقد روى الطحاوي فقال حدثنا فهد قال حدثنا أحمد بن حميد الكوفي قال حدثنا عبد الله بن المبارك عن الحارث بن أبي ذئاب عن مجاهد عن عبد الله بن سخبرة قال لبى عبد الله وهو يتوجه فقال أناس من هذا الأعرابي فالتفت إلي عبد الله فقال ضل الناس أم نسوا والله ما زال رسول الله يلبي حتى رمى جمرة العقبة إلا أن يخلط ذلك بتهليل أو تكبير وأخرجه البيهقي من حديث صفوان بن عيسى حدثنا الحارث بن عبد الرحمن عن مجاهد عن عبد الله بن سخبرة قال غدوت مع عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه من منى إلى عرفة وكان رجلا آدم له ضفيرتان عليه سحنة أهل البادية وكان يلبي فاجتمع عليه الغوغاء فقالوا يا أعرابي إن هذا ليس بيوم تلبية إنما هو التكبير