من جهة الملك عبد الملك بن مروان وأمره عبد الملك أن يتوجه إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما لأنه دعى له بالخلافة فلم يطع عبد الملك فقدم الحجاج إلى مكة في سنة اثنتين وسبعين وأقام الحصار عليه من أول شعبان منها وقصته مشهورة قوله بابن الزبير أي نزل الحجاج ملتبسا به على وجه المقاتلة قوله فقيل له أي لابن عمر وقد صرح في ( صحيح مسلم ) أن عبد الله وسالما ابني عبد الله بن عمر هما القائلان بذلك ولفظه حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا يحيى وهو القطان عن عبيد الله إلى آخره وقد ذكرناه عن قريب في هذا الباب قوله كائن بينهم قتال جملة في محل الرفع لأنها خبر إن وقتال مرفوع بأنه فاعل كائن ويجوز أن ينتصب على التمييز أو على الاختصاص قوله إذا كلمة إذن حرف جواب وجزاء وشرط إعمالها أن تتصدر فإن وقعت حشوا أهملت وإن كان السابق عليها واوا أو فاء جاز النصب نحو وإذا لا يلبثوا فأذن لا يؤتوا والغالب الرفع وإذا كان فعلها مستقبلا يجب الرفع كما هو هنا قوله إني أشهدكم إنما قال هذا ولم يكتف بالنية ليعمله من أراد الاقتداء به قوله البيداء موضع بين مكة والمدينة قدام ذي الحليفة وهو في الأصل الأرض الملساء والمفازة قوله إلا واحد بالرفع ويروى واحدا بالنصب على مذهب يونس فإنه جوزه مستشهدا بقوله .
( وما الدهر إلا منجنونا بأهله .
وما صاحب الحاجات إلا معذبا ) .
يعني حكمهما واحد في جواز التحلل منهما بالإحصار قوله وأهدى فعل ماض من الإهداء قوله بقديد بضم القاف وفتح الدال المهملة وسكون الياء آخر الحروف وهو اسم موضع بين مكة والمدينة وهو في الأصل اسم ماء هناك قوله ولم يزد على ذلك لأنه لم يجب عليه دم بارتكاب محظورات الإحرام قوله حتى كان لفظ حتى غاية للأفعال الأربعة قوله قضى معناه أدى قوله كذلك فعل رسول الله أي طاف طوافا واحدا وقال الكرماني وهذا دليل على أن رسول الله كان قارنا قلت غرضه من هذا أن القارن يكتفي بطواف واحد لأنه قال لا يجوز أن يراد بقوله الطواف الأول طواف القدوم بل معناه أنه لم يتكرر الطواف للقرآن بل يكتفى بطواف واحد والتحقيق في هذا المقام أن يقال لمن احتج بهذا الحديث في اكتفاء القارن بطواف واحد وأنه كان قارنا كيف تعملون به وقد روى الزهري عن سالم أن عبد الله بن عمر قال تمنع رسول الله في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهذي من ذي الحليفة وبدأ رسول الله فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله بالعمرة إلى الحج الحديث بطوله رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي على ما يأتي عن البخاري في موضعه إن شاء الله تعالى قال الطحاوي فهذا ابن عمر يخبر عن رسول الله أنه كان في حجة الوداع متمتعا وأنه بدأ بالعمرة وقد حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر أن النبي وأصحابه قدموا ملبين بالحج فقال رسول الله من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدي فأخبر ابن عمر في حديث بكر هذا أن رسول الله قدم مكة وهو يلبي بالحج وقد أخبر في حديث سالم أن رسول الله بدأ فأحرم بالعمرة فهذا معناه عندنا والله أعلم أنه كان أحرم أولا بحجة على أنها حجة ثم فسخها فصيرها عمرة فلبى بالعمرة ثم تمتع بها إلى الحج حتى يصح حديث سالم وبكر هذين ولا يتضادان وفسخ رسول الله الحج الذي كان فعله وأمر به أصحابه هو بعد طوافهم بالبيت فاستحال بذلك أن يكون الطواف الذي كان رسول الله فعله للعمرة الني انقلبت إليها حجته مجزيا عنه من طواف حجته التي أحرم بها بعد ذلك ولكن وجه ذلك عندنا والله تعالى أعلم أنه لم يطف لحجته قبل يوم النحر لأن الطواف الذي يفعل قبل يوم النحر في الحجة إنما يفعل للقدوم لا لأنه من صلب الحجة فاكتفى ابن عمر بالطواف الذي كان فعله بعد القدوم في عمرته عن إعادته في حجته وهذا مثل ما روي عن ابن عمر أيضا من فعله حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا حجاج قال حدثنا حماد عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان إذا قدم مكة يرمل بالبيت ثم طاف بين الصفا والمروة وإذا لبى من مكة بها لم يرمل بالبيت وأخر الطواف بين الصفا والمروة إلى يوم النحر وكان لا يرمل يوم النحر فدل ما ذكرنا أن ابن عمر كان إذا أحرم بالحجة من مكة لم يطف لها إلى يوم النحر فكذلك ما روي عن رسول الله من إحرامه بالحجة التي أحرم بها بعد فسخ حجته