ذكر ما يستفاد منه فيه أن هذه المواقيت المذكورة لأهل هذه البلاد واختلفوا هل الأفضل التزام الحج منهن أو من منزله فقال مالك وأحمد وإسحاق إحرامه من المواقيت أفضل واحتجوا بحديث الباب وشبهه وقال الثوري وأبو حنيفة والشافعي وآخرون الإحرام من المواقيت رخصة واعتمدوا في ذلك على فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فإنهم أحرموا من قبل المواقيت وهم ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وغيرهم قالوا وهم أعرف بالسنة وأصول أهل الظاهر تقتضي أنه لا يجوز الإحرام إلا من الميقات إلا أن يصح إجماع على خلافه قال أبو عمر مالك أن يحرم أحد قبل الميقات وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه أنكر على عمران بن حصين إحرامه من البصرة وأنكر عثمان بن عفان على عبد الله بن عامر إحرامه قبل الميقات وفي تعليق للبخاري كره عثمان أن يحرم من خراسان وكرمان وكره الحسن وعطاء بن أبي رباح الإحرام من الموضع البعيد وقال ابن بزيزة في هذا ثلاثة أقوال منهم من جوزه مطلقا ومنهم من كرهه مطلقا ومنهم من أجازه في البعيد دون القريب وقال الشافعي وأبو حنيفة الإحرام من قبل هذه المواقيت أفضل لمن قوي على ذلك وقد صح أن علي بن أبي طالب وابن مسعود وعمران بن حصين وابن عباس وابن عمر أحرموا من المواضع البعيدة وعند ابن أبي شيبة أن عثمان بن العاص أحرم من المنجشانية وهي قرية من البصرة وعن ابن سيرين أنه أحرم هو وحميد بن عبد الرحمن ومسلم بن يسار من الدارات وأحرم أبو مسعود من السيلحين وعن أم سلمة رضي الله تعالى عنها سمعت رسول الله يقول من أهل بعمرة من بيت المقدس غفر له وفي رواية أبي داود من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ووجبت له الجنة شك عبد الله أيتهما قال قلت عبد الله هو ابن عبد الرحمن أحد رواه الحديث وقال أبو داود يرحم الله وكيعا أحرم من بيت المقدس يعني إلى مكة وأحرم ابن سيرين مع أنس من العقيق ومعاذ من الشام ومعه كعب الحبر وقال ابن حزم ولا يحل لأحد أن يحرم بالحج أو بالعمرة قبل المواقيت فإن أحرم أحد قبلها وهو يمر عليها فلا إحرام له ولا حج ولا عمرة له إلا أن ينوي إذا صار في الميقات تحديد إحرام فذلك جائز وإحرامه حينئذ تام .
وفيه من أتى على ميقات من المواقيت لا يتجاوز غير محرم عند أبي حنيفة سواء قصد دخول مكة أو لم يقصد وقال القرطبي أما من مر على الميقات قاصدا دخول مكة من غير نسك وكان ممن لا يتكرر دخوله إليها فهل يلزمه دم أو لا اختلف فيه أصحابنا وظاهر الحديث أنه إنما يلزم الإحرام من أراد مكة لأحد النسكين خاصة وهو مذهب الزهري وأبي مصعب في آخرين وقال ابن قدامة أما المجاوز للميقات ممن لا يريد النسك فعلى قسمين أحدهما لا يريد دخول مكة بل يريد حاجة فيما سواها فهذا لا يلزمه الإحرام بلا خلاف ولا شيء عليه في تركه الإحرام لأنه أتى بدرا مرتين ولم يحرم ولا أحد من أصحابه ثم بدأ لهذا الإحرام وتجدد له العزم عليه أن يحرم من موضعه ولا شيء عليه هذا ظاهر كلام الحرقي وبه يقول مالك والثوري والشافعي وصاحبا أبي حنيفة وحكى ابن المنذر عن أحمد في الرجل يخرج لحاجة وهو لا يريد الحج فجاوز ذا الحليفة ثم أراد الحج يرجع إلى ذي الحليفة فيحرم وبه قال إسحاق القسم الثاني من يريد دخول الحرم إما إلى مكة أو غيرها فهم على ثلاثة أضرب أحدها من يدخلها لقتال مباح أو من خوف أو لحاجة متكررة كالحشاش والحطاب وناقل الميرة ومن كانت له ضيعة يتكرر دخوله وخروجه إليها فهؤلاء لا إحرام عليهم لأن النبي دخل يوم فتح مكة حلالا وعلى رأسه المغفر وكذا أصحابه ولا نعلم أن أحدا منهم أحرم يومئذ ولو وجب الإحرام على من يتكرر دخولها أفضى إلى أن يكون جميع زمنه محرما وبهذا قال الشافعي .
8 - .
( باب ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة ) .
أي هذا باب في بيان ميقات أهل المدينة قوله ولا يهلوا يجوز أن يقدر فيه أن الناصبة فيكون التقدير وأن لا يهلوا وتكون الجملة معطوفة على ما قبلها والتقدير وفي بيان أن لا يهلوا قبل ذي الحليفة والضمير الذي فيه يرجع إلى أهل المدينة فإذا كان أهل المدينة ليس لهم أن يهلوا قبل ذي الحليفة فكذلك من يأتي إليها من غير أهلها ليس لهم أن يهلوا قبلها فهذه العبارة تشير إلى أن البخاري ممن لا يرى تقديم الإهلال قبل المواقيت