تفوتهم صحبة رسول الله قوله يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف ( البقرة 372 ) في لباسهم وحالهم ومقالهم قوله تعرفهم بسيماهم ( البقرة 372 ) إنما يظهر لذوي الألباب من صفاتهم كما قال تعالى سيماهم في وجوههم ( الفتح 92 ) وقيل الخطاب للنبي وقيل لكل راغب في معرفة حالهم يقول تعرف فقرهم بالعلامة في وجوههم من أثر الجوع والحاجة وفي ( تفسير النسفي ) هم أصحاب الصفة وكانوا أربعمائة إنسان لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر فكانوا يخرجون في كل سرية بعثها النبي ثم يرجعون إلى مسجد الرسول قوله وما تنفقوا من خير ( البقرة 372 ) من أبواب القربات فإن الله به عليم ( البقرة 372 ) لا يخفى عليه شيء منه ولا من غيره وسيجزي عليه أوفى الجزاء وأتمه يوم القيامة أحوج ما يكونون إليه .
وكم الغنى .
أي مقدار الغنى الذي يمنع السؤال و كم هنا استفهامية تقتضي التمييز والتقدير كم الغنى أهو الذي يمنع السؤال أم غيره والغنى بكسر الغين وبالقصر ضد الفقر وإن صحت الرواية بالفتح وبالمد فهو الكفاية وقد تقدم في حديث ابن مسعود يا رسول الله ما الغنى قال خمسون درهما وقد ذكرنا في باب الاستعفاف في المسألة جملة أحاديث عن جماعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في هذا الباب .
وقول النبي ولا يجد غنى يغنيه .
بالجر عطف على ما قبله من المجرور وهذا جزء من حديث رواه عن أبي هريرة يأتي في هذا الباب وفيه ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه والظاهر أنه إنما ذكر هذا كأنه تفسير لقوله وكم الغنى ليكون المعنى إن الغنى هو الذي يجد الرجل ما يغنيه وفسر هذا ما رواه الترمذي من حديث ابن مسعود مرفوعا من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش قيل يا رسول الله وما يغنيه قال خمسون درهما أو قيمتها من الذهب والأحاديث يفسر بعضها بعضا وإنما لم يذكره البخاري لأنه ليس على شرطه لأن فيه مقالا .
لقوله تعالى للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض إلى قوله فإن الله به عليم ( البقرة 372 ) .
هذا تعليق لقوله ولا يجد غنى يغنيه لأنه قال في الحديث المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن به فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس ووصف المسكين بثلاثة أوصاف منها عدم قيامه للسؤال وذلك لا يكون إلا لتعففه وحصر نفسه عن ذلك وعلل ذلك المسكين الموصوف بهذه الأوصاف الذي ذكر منها البخاري عدم وجدان الغنى واكتفى به بقوله تعالى للفقراء الذين أحصروا ( البقرة 372 ) الآية وكان حصرهم لأنفسهم عن السؤال للتعفف وعدم ضربهم في الأرض خوفا من فوات صحبة النبي كما ذكرنا عن قريب وأما اللام التي في قوله للفقراء الذي أحصروا ( البقرة 372 ) فلبيان مصرف الصدقة وموضعها لأنه قال قبل هذا وما تنفقوا من خير فلأنفسكم ( البقرة 272 ) ثم بين مصرف ذلك وموضعه بقوله للفقراء ( البقرة 372 ) إلى آخره وقد تصرف الكرماني هنا تصرفا عجيبا لا يقبله من له أدنى معرفة في أحوال تراكيب الكلام فقال للفقراء ( البقرة 372 ) عطف على لا يسألون ( البقرة 372 ) وحرف العطف مقدر أو هو حال بتقدير لفظ قائلا ثم قال فإن قلت في بعضها لقول الله تعالى للفقراء ( البقرة 372 ) قلت معناه شرط في السؤال عدم وجدان الغنى لوصف الله الفقراء بلا يستطيعون ضربا في الأرض إذ من استطاع ضربا فيها فهو واجد لنوع من الغنى انتهى قلت كان في نسخة وقول النبي ولا يجد غنى يغنيه للفقراء الذين فقال هذا عطف على لا يسألون فليت شعري أي وجه لهذا العطف ولا عطف هنا أصلا وأي ضرورة دعت إلى ارتكابه تقدير حرف العطف الذي لا يجوز حذف حرف العطف إلا في موضع الضرورة على الشذوذ أو في الشعر كذلك ولا ضرورة هنا أصلا ثم لما وقف على نسخة فيها لقول الله D للفقراء ( البقرة 372 ) سأل السؤال المذكور وأجاب بالجوابين المذكورين اللذين تمجهما الأسماع ويتركهما أهل اليراع وقال بعضهم اللام في قوله لقول الله لام التعليل لأنه أورد الآية تفسيرا لقوله في الترجمة وكم