يريد تبوأوا الدار وأجابوا إلى الإيمان من قبل أن يهاجروا إليهم قوله أن يقبل بدل من قوله خيرا ومعناه يفعل بهم من التلطف والبر ما كان يفعله الرسول والخليفتان بعده قوله ويعفى عن مسيئهم يعني ما دون الحدود وحقوق الناس قوله بذمة الله أي بعهده وبذمة رسوله ويقال بذمة الله يعني بأهل ذمة الله وهم عامة المؤمنين لأن كلهم في ذمتهما وهذا تعميم بعد تخصيص قوله من ورائهم الوراء بمعنى الخلف وقد يكون بمعنى القدام وهو من الأضداد .
ذكر ما يستفاد منه فيه الحرص على مجاورة الصالحين في القبور طمعا في إصابة الرحمة إذا نزلت عليهم وفي دعاء من يزورهم من أهل الخير وفيه أن من وعد عدة جاز له الرجوع فيها ولا يلزم بالوفاء وفيه أن من بعث رسولا في حاجة مهمة أن له أن يسأل الرسول قبل وصوله إليه ولا يعد ذلك من قلة الصبر بل من الحرص على الخير وفيه أن الخلافة بعد عمر رضي الله تعالى عنه شورى وفيه التعزية لمن يحضره الموت بما يذكر من صالح عمله .
79 - .
( باب ما ينهى من سب الأموات ) .
أي هذا باب في بيان ما ينهى من سب الأموات وكلمة ما مصدرية أي باب النهي عن سب الأموات يعني شتمهم من السب وهو القطع وقيل من السبة وهي خلقة الدبر كأنها على القول الأول قطع المسبوب عن الخير والفضل وعلى الثاني كشف العورة وما ينبغي أن يستر .
148 - ( حدثنا آدم قال حدثنا شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن عائشة Bها قالت قال النبي لا تسبوا الأموات فإنهم قد فأفضوا إلى ما قدموا ) .
مطابقته للترجمة ظاهرة لأن الحديث نهى عن سب الأموات والترجمة كذلك قيل لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا أجاب بعضهم أن عمومه مخصوص بحديث أنس حيث قال أنتم شهداء الله في الأرض وذلك عند ثنائهم بالخير والشر ولم ينكر عليهم ( قلت ) لا نسلم أشعار الترجمة إلى الانقسام المذكور لأن قد ذكرنا أن كلمة ما في الترجمة مصدرية فلا تقتضي الانقسام بل هي للعموم وأورد على البخاري أنه غفل عن حديث وجبت وجبت لأن فيه تفصيلا وقد أطلق هنا ( قلت ) لا يرد عليه شيء لأن الثناء بالشر على الميت لا يسمى سبا لأنه إنما يثني بالشر أما في حق الفاسق أو المنافق أو الكافر وليس هذا بداخل في معنى حديث الباب ورجاله قد ذكروا وآدم وابن أبي إياس والأعمش هو سليمان وأخرجه النسائي في الجنائز أيضا عن حميد بن مسعدة عن بشر بن المفضل عن شعبة به قوله الأموات الألف واللام للعهد أي أموات المسلمين ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر أن رسول الله قال اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم وأخرجه أبو داود أيضا في كتاب الأدب من سننه ولا حرج في ذكر مساوي الكفار ولا يأمر بذكر محاسن إن كانت لهم من صدقة وإعتاق وإطعام طعام ونحو ذلك اللهم إلا أن يتأذى بذلك مسلم من ذريته فيجتنب ذلك حينئذ كما ورد في حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي أن رجلا من الأنصار وقع في أبي العباس كان في الجاهلية فلطمه العباس فجاءه قومه فقالوا والله لنلطمنه كما لطمه فلبسوا السلاح فبلغ ذلك رسول الله فصعد المنبر فقال أيها الناس أي أهل الأرض أكرم عند الله قالوا أنت قال فإن العباس مني وأنا منه فلا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا فجاء القوم فقالوا يا رسول الله نعوذ بالله من غضبك وفي كتاب الصمت لابن أبي الدنيا في حديث مرسل صحيح الإسناد من رواية محمد بن علي الباقر قال نهى رسول الله أن يسب قتلى بدر من المشركين وقال لا تسبوا هؤلاء فإنه لا يخلص إليهم شيء مما تقولون وتؤذون الأحياء إلا أن البذاء لؤم وقال ابن بطال ذكر شرار الموتى من أهل الشرك خاصة جائز لأنه لا شك أنهم في النار وقال سب الأموات يجري مجرى الغيبة فإن كان أغلب أحوال المرء الخير وقد تكون منه الغلبة فالاغتياب له ممنوع وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له فكذلك الميت قوله فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا أي قد وصلوا إلى جزاء أعمالهم