وقول اللهوما كان الله ليضيع ايمانكم والمناسبة بين الترجمتين ظاهرة لأن في الآية أطلق على الصلاة الإيمان على سبيل إطلاق الكل على الجزء وبين ذلك بقوله الصلاة من الايمان لأن كلمة من للتبعيض والمراد الصلاة من بعض الإيمان الثاني قال الواحدي في كتاب ( اسباب النزول ) قال ابن عباس Bهما في رواية الكلبي كان رجال من أصحاب رسول الله قد ماتوا على القبلة الأولى منهم سعد بن زرارة وابو امامة أحد بني النجار والبراء بن معرور أحد بني سلمة فجاءت عشائرهم في أناس منهم آخرين فقالوا يا رسول الله توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى وقد صرفك الله تعالى إلى قبلة إبراهيم E فكيف بإخواننا في ذلك فأنزل الله تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم ( البقرة 143 ) الآية الثالث قال ابن بطال هذه الآية حجة قاطعة على الجهمية والمرجئة حيث قالوا إن الأعمال والفرائض لا تسمى إيمانا وهو خلاف النص لأن الله سبحانه وتعالى سمى صلاتهم إلى بيت المقدس إيمانا ولا خلاف بين أهل التفسير أن هذه الآية نزلت في صلاتهم إلى بيت المقدس قلت لا يلزم من الاتفاق على نزولها في صلاتهم إلى بيت المقدس إطلاقها وقال ابن اسحق وغيره في قوله تعالى وما كان الله ليضيع إيمانكم ( البقرة 143 ) بالقبلة الأولى وتصديقكم نبيكم وإتباعكم إياه إلى القبلة الأخرى أي ليعطينكم أجرها جميعا وقال الزمخشرى في ( الكشاف ) وما كان الله ليضيع ايمانكم ( البقرة 143 ) اي ثباتكم على الإيمان وأنكم لم تزلوا ولم ترتابوا بل شكر صنيعكم وأعد لكم الثواب العظيم ويجوز أن يراد وما كان الله ليترك تحويلكم لعلمه أن تركه مفسدة وإضاعة لإيمانكم وقيل من صلى إلى بيت المقدس قبل التحويل فصلاته غير ضائعة انتهى قلت هذا ثلاثة اوجه الأول من قبيل إطلاق المعروض على العارض الثاني من قبيل الكناية لان التحويل ملزوم لإضاعة الإيمان الثالث من قبيل إطلاق الكل على الجزء ثم اللام في قوله ليضيع ( البقرة 143 ) لتأكيد النفي فإن قيل المقام يقتضي أن يقال إيمانهم بلفظ الغيبة اجيب بأن المقصود تعميم الحكم للأمة الاحياء والاموات فذكر الأحياء المخاطبين تغليبا لهم على غيرهم ولا يناسب وضع الآية في الترجمة إلا من الوجه الثالث وهو الذي أشار إليه البخاري بقوله يعني صلاتكم حيث فسر الإيمان بالصلاة وهكذا وقع هذا التفسير في رواية الطيالسي والنسائي من طريق شريك وغيره عن أبي اسحق عن البراء في الحديث الذي أخرجه البخاري ههنا فانزل الله تعالى وما كان الله ليضيع ايمانكم ( البقرة 143 ) اي صلاتكم إلى بيت المقدس الرابع قوله عند البيت أراد به الكعبة شرفها الله تعالى وقال النووى هذا مشكل لأن المراد صلاتكم إلى البيت المقدس وكان ينبغي أن يقول اي صلاتكم إلى بيت المقدس وهذا هو مراده فيتأول عليه كلامه وقال بعض الشارحين المراد إلى البيت يعني بيت المقدس او الكعبة لأن صلاتهم إليها إلى جهة بيت المقدس قلت إذا أطلق البيت يراد به الكعبة ولم يقل أحدإن البيت إذا اطلق يراد به القدس أو أحدهما بالشك وقال بعضهم قد قيل إن فيه تصحيفا والصواب يعني صلاتكم لغير البيت ثم قال وعندي أنه لا تصحيف فيه بل هو صواب .
بيان ذلك أن العلماء اختلفوا في الجهة التي كان النبي يتوجه إليها للصلاة وهو بمكة فقال ابن عباس Bهما وغيره كان يصلي إلى بيت المقدس لكنه لا يستدبر الكعبة بل يجعلها بينه وبين بيت المقدس وأطلق آخرون أنه كان يصلي إلى بيت المقدس وقال آخرون كان يصلي إلى الكعبة فلما تحول إلى المدينة استقبل بيت المقدس وهذا ضعيف ويلزم منه دعوى النسخ مرتين والأول أصح لأنه يجمع بين القولين وقد صححه الحاكم وغيره من حديث ابن عباس فكأنه البخاري أراد الإشارة إلى الجزم بالأصح من أن الصلاة لما كانت عند البيت كانت إلى بيت المقدس واقتصر على ذلك اكتفاء بالاولويةلأن صلاتهم إلى غير جهة البين وهم عند البيت إذا كانت لا تضيع فأحرى ألا تضيع إذا بعدوا عنه قلت هذه اللفظة ثابتة في الأصول صحيحة ومعناها صحيح غير أنه اختصر في العبارة والتقدير يعني صلاتكم التي صليتموها إلى بيت المقدس عند البيت أي الكعبة فقوله عند البيت يتعلق بذلك المحذوف وقول هذا القائل واقتصر على ذلك اكتفاء بالأولوية ثم تطويله بقوله لأن صلاتهم إلى آخره كلام يحتاج إلى دعامة لأن دعواه أولا بقوله واقتصر على ذلك اكتفاء بالاولوية ثم تعليله بقوله لأن صلاتهم الى آخره لا تعلق له قط لبيان تصحيح قول البخاري عند البيت وتصحيحه بما ذكرناه ونقله عن بعضهم أن فيه تصحيفا ثم قوله وعندي أنه لا تصحيف فيه وإن كان كذلك في نفس الأمر لكن لو كان