إلا الموتة الأولى ( الدخان 65 ) للجنس لا للوحدة وإن كانت الصيغة صيغة الواحد نحو إن الإنسان لفي خسر ( العصر 2 ) وليس فيها نفي تعدد الموت لأن الجنس يتناول المتعدد أيضا بدليل أن الله تعالى أحيى كثيرا من الأموات في زمان موسى وعيسى وغيرهما وذلك يوجب تأويل الآية بما ذكرنا وأماالجواب عن قوله تعالى وما أنت بمسمع من في القبور ( فاطر 22 ) فهو أن عدم إسماع أهل القبور ولا يستلزم عدم إدراكهم وأما الجواب عن دليلهم العقلي فهو أن المصلوب لا بعد في الأحياء والمسائلة مع عدم المشاهدة كما في صاحب السكر فإنه حي مع أنا لا نشاهد حياته وكما في رؤية النبي جبريل E وهو بين أظهر أصحابه مع ستره عنهم ولا بعد في رد الحياة إلى أجزاء البدن فيختص بالإحياء والمسائلة والعذاب وإن لم يكن ذلك مشاهدا لنا وقال الصالحي من المعتزلة وابن جرير الطبري وطائفة من المتكلمين يجوز التعذيب على الموتى من غير إحياء وهذا خروج عن المعقول لأن الجماد لا حس له فكيف يتصور تعذيبه وقال بعض المتكلمين الآلام تجتمع في أجساد الموتى وتتضاعف من غير إحساس بها فإذا حشروا أحسوا بها دفعة واحدة وهذا إنكار للعذاب قبل الحشر وهو باطل بما قررناه وفيه إثبات السؤال بالملكين اللذين بينا في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه وأنكر الجبائي وابنه البلخي تسمية الملكين بالمنكر والنكير وقالوا إنما المنكر ما يصدر من الكافر عند تلجلجه إذا شئل والنكير إنما هو تقريع الملكين ويرد عليهم بالحديث الذي فسر فيه الملكان بهما كما ذكرناه وفيه جواز لبس النعل لزائر القبور الماشي بين ظهرانيها وذهب أهل الظاهر إلى كراهة ذلك وبه قال يزيد بن زريع وأحمد بن حنبل وقال ابن حزم في ( المحلى ) ولا يحل لأحد أن يمشي بين القبور بنعلين سبتيتين وهما اللذان لا شعر عليهما فإن كان فيهما شعر جاز ذلك وإن كان في أحدهما شعر والآخر بلا شعر جاز المشي فيهما وفي ( المغني ) ويخلع النعال إذا دخل المقابر وهذا مستحب واحتج هؤلاء بحديث بشير بن الخصاصية أن رسول الله رأى رجلا يمشي بين القبور في نعلين فقال ويحك يا صاحب السبتيتين إلق سبتيتيك رواه الطحاوي وأخرجه أبو داود وابن ماجه بأتم منه وأخرجه الحاكم وصححه وكذا صححه ابن حزم والخصاصية أمه واختلف في اسم أبيه فقيل بشير بن نذير وقيل ابن معبد ابن شراحيل وقال الجمهور من العلماء بجواز ذلك وهو قول الحسن وابن سيرين والنخعي والثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وجماهير الفقهاء من التابعين ومن بعدهم وأجيب عن حديث ابن الخصاصية بأنه إنما اعترض عليه بالخلع إحتراما للمقابر وقيل لاختياله في مشيه وقال الطحاوي إن أمره بالخلع لا لكون المشي بين القبور بالنعال مكروها ولكن لما رأى قذرا فيهما يقذر القبور أمر بالخلع وقال الخطابي يشبه أن يكون إنما كره ذلك لأنه فعل أهل النعمة والسعة فأحب أن يكون دخول المقبرة على التواضع والخشوع وقال ابن الجوزي ليس في الحديث سوى الحكاية عمن يدخل المقابر وذلك لا يقتضي إباحة ولا تحريما ويدل على أنه أمره بالخلع احتراما للقبور لأنه نهى عن الاستناد والجلوس عليها وفيه ذهول عما ورد في بعض الأحاديث أن صاحب القبر كان يسأل فلما سمع صرير السبتتين أصغى إليه فكاد يهلك لعدم جواب الملكين فقال له إلقهما لئلا تؤذي صاحب القبر ذكره أبو عبد الله الترمذي فإن قلت بعد فراغ الملكين من السؤال ما يكون الميت قلت إن كان سعيدا كان روحه في الجنة وإن كان شقيا ففي سجين على صخرة على شفير جهنم في الأرض السابعة وعن ابن عباس يكون قوم في برزخ ليسوا في جنة ولا نار ويدل عليه قصة أصحاب الأعراف والله أعلم ما يقال لمن يدخل من أصحاب الكبائر أكان يقال له نم صالحا أو يسكت عنه وقيل إن أرواح السعداء تطلع على قبورها وأكثر ما يكون منها ليلة الجمعة ويومها وليلة السبت إلى طلوع الشمس فإنهم يعرفون أعمال الأحياء يسألون من مات من السعداء ما فعل فلان فإن ذكر خيرا قال أللهم ثبته وإن كان غيره قال أللهم راجع به وإن قيل لهم مات قيل ألم يأتكم قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون سلك به غير طريقنا هوى به إلى أمه الهاوية وقيل إنهم إذا كانوا على قبورهم يسمعون من يسلم عليهم فلو أذن لهم لردوا السلام .
86 - .
( باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها ) .
أي هذا باب في يذكر فيه من أحب أن يدفن في بيت المقدس إما طلبا للقرب من الأنبياء المدفونين هناك أو ليقرب عليه