وقراءة الكتب وقال ابن بطال الكلمة من ذوات الواو لأنها من تلاوة القرآن لكنه لما كان مع دريت تكلم بالياء ليزدوج الكلام ومعناه الدعاء عليه أي لا كنت داريا ولا تاليا قوله ثم يضرب على صيغة المجهول أي الميت قوله بمطرقة بكسر الميم قال الجوهري طرق النجاد الصوف يطرقه طرقا إذا ضربه والقضيب الذي يضرب به يسمى مطرقة وكذلك مطرقة الحداد قوله من حديد يجوز فيه الوجهان أحدهما أن يكون صفة لموصوف محذوف أي من ضارب حديد أي قوي شديد الغضب والآخر أن يكون صفة لمطرقة فعلى هذا تكون كلمة من بيانة ثم إن الظاهر أن الضارب غير المنكر والنكير ولكن يحتمل أن يكون أحدهما ويحتمل أن يكون غيرهما وقد روى أبو داود في ( سننه ) ما يدل على جواز الوجهين الأول ما رواه من حديث البراء بن عازب قال خرجنا مع رسول الله في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولم يلحد فجلس رسول الله وجلسنا حوله كأنما على رؤوسنا الطير وفي يده عود ينكت به في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا وإنه يسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين حين يقال له يا هذا من ربك وما دينك ومن نبيك قال هناك ويأتيه ملكان ويجلسانه الحديث وفيه ثم يقيض له أعمى أبكم معه مرزبة من حديد لو ضرب بها جبل لصار ترابا قال فيضربه بها ضربة يسمعها من بين المشرق والمغرب إلا الثقلين فيصير ترابا ثم يعاد فيه الروح فهذا يدل صريحا على أن الضارب غير المنكر والنكير الثاني ما رواه أبو داود عن أنس بن مالك أن النبي دخل نخلا لبني النجار فسمع صوتا ففزع فقال من أصحاب هذه القبور قالوا يا رسول الله ناس ماتوا في الجاهلية الحديث بطوله وفيه فيقول له ما كنت تعبد فيقول له لا أدري فيقول لا دريت ولا تليت فقال له ما كنت تقول في هذا الرجل فيقول كنت أقول ما يقول الناس فيضربه بمطراق من حديد بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها الخلق غير الثقلين فهذا يدل صريحا على أن الضارب هو الملك الذي يسأله وهو إما المنكر أو النكير فإن قلت كيف وجه جمع الوجهين قلت يحتمل أن يكون الضرب متعددا مرة من أحد الملكين ومرة من الأعمى الأبكم وكل هذا في حق الكفار فافهم قوله من يليه أي من يلي الميت قيل المراد به الملائكة الذين تكون فتنته ومساءلته قوله إلا الثقلين أي غير الثقلين وهما الإنس والجن وسميا به لثقلهما على الأرض فإن قلت ما الحكمة في منع الثقلين من سماع صيحة ذاك المعذب بمطرقة الحديد قلت لو سمعا لارتفع الابتلاء وصار الإيمان ضروريا ولأعرضوا عن التدابير والصنائع ونحوهما مما يتوقف عليه بقاؤهما فإن قلت من للعقلاء فانحصر السماع على الملائكة قلت نعم وقيل المراد منه العقلاء وغيرهم وغلب جانب العقل وهذا أظهر وقيل المراد بمن يليه أعم من الملائكة الذين تكون فتنته وغيرهم من الثقلين وإنما منعت الجن هذه النصيحة ولم يمنع سماع كلام الميت إذا حمل وقال قدموني لأن كلام الميت حين يحمل إلى قبره في حكم الدنيا وليس فيه شيء من الجزاء والعقوبة لأن الجزاء لا يكون إلا في الآخرة وإنما كلامه اعتبار لمن سمعه وموعظة فاسمعه الله الجن لأنه جعل فيهم قوة يثبتون بها عند سماعه ولا يصعقون بخلاف الأنسان الذي كان يصعق لو سمعه وصيحة الميت في القبر عند فتنته هي عقوبة وجزاء فدخلت في حكم الآخرة فمنع الله تعالى الثقلين الذين هما في دار الدنيا سماع عقوبته وجزائه في الآخرة وأسمعه سائر خلقه .
ذكر ما يستفاد منه فيه إثبات عذاب القبر وهو مذهب أهل السنة والجماعة وأنكر ذلك ضرار بن عمرو وبشر المريسي وأكثر المتأخرين من المعتزلة واحتجوا في ذلك بقوله تعالى لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ( الدخان 65 ) أي لا يذوقون في الجنة موتا سوى الموتة الأولى ولو صاروا أحياء في القبور لذاقوا مرتين لا موتة واحدة وبقوله تعالى وما أنت بمسمع من في القبور ( فاطر 22 ) فإن الغرض من سياق الآية تشبيه الكفرة بأهل القبور في عدم الإسماع وقالوا أما من جهة العقل فأنا نرى شخصا يصلب ويبقى مصلوبا إلى أن تذهب أجزاؤه ولا نشاهد فيه أحياء ومساءلة والقول لهم بهما مع المشاهدة سفسطة ظاهرة وأبلغ منه من أكلته السباع والطيور وتفرقت أجزاؤه في بطونها وحواصلها وأبلغ منه من أحرق حتى يفتت وذري أجزاؤه المفتتة في الرياح العاصفة شمالا وجنوبا وقبولا ودبورا فإنا نعلم عدم إحيائه ومساءلته وعذابه ضرورة ولنا آيات إحداها قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ( غافر 64 ) فهو صريح في التعذيب بعد الموت الثانية قوله تعالى ربنا أمتنا اثنتين وأحيينا اثنتين ( غافر 11 ) فإن الله تعالى ذكر الموتة مرتين وهما لا تتحققان