القيراط لغة نصف دانق والمقصود منه هنا النصيب وقيل القيراط جزء من أجزاء الدينار وهو نصف عشره في أكثر البلاد وأهل الشام يجعلونه جزءا من أربعة وعشرين وأصله القراط يعني بالتشديد بدليل جمعه بالقراريط فأبدل إحدى الراءين ياء وعن ابن عقيل القيراط نصف سدس درهم أو نصف عشر دينار وقيل المراد بالقيراط ههنا جزء من أجزاء معلومة عند الله تعالى وقد قربها النبي للفهم بتمثيله القيراط بأحد وقال الطيبي قوله مثل أحد تفسير للمقصود من الكلام لا للفظ القيراط والمراد منه أن يرجع بنصيب من الأجر وذلك لأن لفظ القيراط مبهم من وجهين فبين الموزون بقوله من الأجر وبين المقدار المراد منه بقوله مثل أحد فإن قلت لم خص القيراط بالذكر قلت لأن غالب ما تقع به معاملتهم كان بالقيراط .
وقد ورد لفظ القيراط في عدة أحاديث فمنها ما يحمل على القيراط المتعارف ومنها ما يحمل على الجزء وإن لم تعرف النسبة فمن الأول حديث كعب بن مالك إنكم ستفتحون بلدا يذكر فيها القيراط وحديث أبي هريرة مرفوعا كنت أرى الغنم لأهل مكة بالقراريط قال ابن ماجه عن بعض شيوخه يعني كل شاة بقيراط وقال غيره قراريط جبل بمكة ومن المحتمل حديث ابن عمر الذين أعطوا الكتاب أعطوا قيراطا قيراطا وحديث الباب وحديث أبي هريرة من اقتنى كلبا نقص من عمله كل يوم قيراط وقد جاء في حديث مسلم وغيره القيراط مثل أحد وسيأتي في الباب الذي يأتي القيراطان مثل الجبلين العظيمين وهذا تمثيل واستعارة ويجوز أن يكون حقيقة بأن يجعل الله عمله ذلك يوم القيامة في صورة عين يوزن كما توزن الأجسام ويكون قدر هذا كقدر أحد فإن قلت التمثيل بأحد ما وجه تخصيصه قلت لأنه كان قريبا من المخاطبين وكان أكثرهم يعرفونه كما ينبغي وقيل لأنه قال في حقه إنه جبل يحبنا ونحن نحبه وقيل لأنه أعظم الجبال خلقا قلت فيه نظر لا يخفى قوله فقال أي قال ابن عمر أكثر أبو هريرة علينا قال الكرماني أي في ذكر الأجر أو في رواية الحديث خاف لكثرة رواياته أنه اشتبه عليه الأمر فيه لا أنه نسبه إلى رواية ما لم يسمع لأن مرتبتهما أجل من ذلك وقال ابن التين لم يهتم ابن عمر بل خشي عليه السهو أو قال ذلك لكونه لم ينقل له عن أبي هريرة أنه رفعه فظن أنه قال برأيه فاستنكره ووقع في رواية أبي سلمة عند سعيد ابن منصور فبلغ ذلك ابن عمر فتعاظمه وفي رواية الوليد بن عبد الرحمن عند سعيد أيضا ومسدد وأحمد بإسناد صحيح فقال ابن عمر يا أبا هريرة أنظر ما تحدث من رسول الله قوله فصدقت يعني عائشة أبا هريرة لفظ يعني من البخاري كأنه شك فاستعملها وقد رواه الإسماعيلي من طريق أبي النعمان شيخ البخاري فلم يقلها وقد ذكرنا رواية مسلم وفيها فبعث ابن عمر إلى عائشة فسألها فصدقت أبا هريرة وقد ذكرنا أيضا عن الترمذي فأرسل إلى عائشة يسألها عن ذلك فقالت صدق أبو هريرة فإن قلت روى سعيد بن منصور من حديث الوليد بن عبد الرحمن فقام أبو هريرة فأخذ بيده فانطلقا حتى أتيا عائشة رضي الله تعالى عنها فقال لها يا أم المؤمنين أنشدك الله أسمعت رسول الله يقول فذكره فقالت أللهم نعم قلت التوفيق في ذلك بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر بخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة فمشى إلى ابن عمر فأسمعه ذلك من عائشة مشافهة وزاد في رواية الوليد فقال أبو هريرة لم يشغلني عن رسول الله غرس بالوادي ولا صفق بالأسواق وإنما كنت أطلب من رسول الله أكلة يطعمنيها أو كلمة يعلمنيها قال له ابن عمر كنت ألزمنا رسول الله وأعلمنا بحديثه قوله لقد فرطنا في قراريط كثيرة أي من عدم المواظبة على حضور الدفن .
ذكر ما يستفاد منه فيه تمييز أبي هريرة في الحفظ وأن إنكار العلماء بعضهم على بعض قديم وأن العالم يستغرب ما لم يصل إلى علمه وفيه عدم مبالاة الحافظ بإنكار من لم يحفظ وفيه ما كانت الصحابة عليه من التثبت في العلم والحديث النبوي والتحرير فيه وفيه دلالة على فضيلة ابن عمر من حرصه على العلم وتأسفه على ما فاته من العمل الصالح وفيه في قوله من تبع جنازة حجة لمن قال إن المشي خلف الجنازة أفضل من المشي أمامها لأن ذلك حقيقة الاتباع حسا وقال ابن دقيق العيد الذين رجحوا المشي أمامها حملوا الإتباع هنا على الإتباع المعنوي أي المصاحبة وهو أعم من