ذكر معناه قوله حتى تخلفكم بضم التاء وتشديد اللام أي تتجاوزكم وتجعلكم خلفها وليس المراد التخصيص بكون الجنازة تتقدم بل المراد مفارقتها سواء تخلف القائم لها وراءها أو خلفها القائم وراءه وتقدم وهو من قولك خلفت فلانا ورائي فتخلف عني أي تأخر وهو بتشديد اللام وأما خلفت بتخفيف اللام فمعناه صرت خليفة عنه تقول خلفت الرجل في أهله إذا أقمت بعده فيهم وقمت عنه بما كان يفعله وخلف الله لك بخير وأخلف عليك خيرا أي أبدلك بما ذهب منك وعوضك عنه والخلف بتحريك اللام والسكون كل من يجيء بعد من مضى إلا أن بالتحريك في الخير وبالتسكين في الشر يقال خلف صدق وخلف سوء قال الله تعالى فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة ( مريم 95 ) ثم إسناد التخليف إلى الجنازة على سبيل المجاز لأن المراد حاملها قوله زاد الحميدي يعني عن سفيان بهذا الإسناد وقد رواه الحميدي موصولا في ( مسنده ) قوله أو توضع هذا روي بألفاظ مختلفة ففي رواية البخاري حتى تخلفكم أو توضع أي أو توضع الجنازة من أعناق الرجال على الأرض وفي رواية النسائي حتى تخلفه أو توضع وفي رواية للبخاري حتى تخلفكم فقط وفي رواية الطحاوي حتى توضع أو تخلفكم وقال عياض وفي لفظ حتى تخلف أو توضع ثم هل المراد بالوضع الوضع على الأرض أو وضعها في اللحد اختلفت فيه الروايات فقال أبو داود في ( سننه ) عقيب حديث أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع روى هذا الحديث الثوري عن سهل عن أبيه عن أبي هريرة قال فيه حتى توضع بالأرض ورواه أبو معاوية عن سهيل قال حتى توضع في اللحد قال أبو داود وسفيان أحفظ من أبي معاوية .
ذكر ما يستنبط منه احتج بهذا الحديث وأمثاله من حديث عثمان أخرجه الطحاوي من حديث أبان بن عثمان أنه مرت به جنازة فقام لها وقال إن عثمان مرت به جنازة فقام لها وقال إن رسول الله مرت به جنازة فقام لها ورواه أحمد والبزار أيضا ومن حديث أبي سعيد المذكور آنفا ومن حديث أبي هريرة أن النبي قال إذا صلى أحدكم على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه فإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع أخرجه الطحاوي وروى ابن ماجه من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال مر على النبي بجنازة فقام وقال قوموا فإن للموت فزعا ومن حديث يزيد بن ثابت أنهم كانوا جلوسا مع رسول الله فطلعت جنازة فقام رسول الله وقام من معه فلم يزالوا قياما حتى بعدت رواه النسائي ومن حديث عبد الله بن سخبرة أن أبا موسى أخبرهم أن النبي إذا مرت به جنازة قام حتى تجاوزه رواه ابن أبي شيبة وقوم على أن الجنازة إذا مرت بأحد يقوم لها وهم المسور ابن مخرمة وقتادة ومحمد بن سيرين والشعبي والنخعي وإسحاق بن إبراهيم وعمرو بن ميمون وقال أبو عمر في ( التمهيد ) جاءت آثار صحاح ثابتة توجب القيام للجنازة وقال بها جماعة من السلف والخلف ورأوها غير منسوخة وقالوا لا يجلس من اتبع الجنازة حتى توضع عن أعناق الرجال منهم إسحاق والحسن بن علي وأبو هريرة وابن عمر وابن الزبير وأبو سعيد الخدري وأبو موسى الأشعري وذهب إلى ذلك الأوزاعي وأحمد وإسحاق وبه قال محمد بن الحسن .
وقال الطحاوي وخالفهم في ذلك آخرون فقالوا ليس على من مرت به جنازة أن يقوم لها ولمن تبعها أن يجلس وإن لم توضع قلت أراد بالآخرين عروة ابن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود ونافع وابن جبير وأبا حنيفة ومالكا والشافعي وأبا يوسف ومحمدا وهو قول عطاء بن أبي رباح ومجاهد وأبي إسحاق ويروى ذلك عن علي بن أبي طالب وابنه الحسن وابن عباس وأبي هريرة قاله الحازمي وقال عياض ومنهم من ذهب إلى التوسعة والتخيير وليس بشيء وهو قول أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون من المالكية .
وذهبوا إلى أن الأمر بالقيام منسوخ وتمسكوا في ذلك بأحاديث منها ما أخرجه مسلم في ( صحيحه ) عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله كان يقوم في الجنازة ثم جلس بعد وعند ابن حبان في ( صحيحه ) كان يأمرنا بالقيام في الجنائز ثم جلس بعد ذلك وأمر بالجلوس قال الحازمي قال أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن حدثنا أبو بكر الطبري حدثنا يحيى بن محمد البصري حدثنا أبو حذيفة عن سفيان عن ليث عن مجاهد عن أبي معمر قال مرت بنا جنازة فقمت فقال علي من أفتاك هذا قلت أبو موسى الأشعري فقال علي ما فعله رسول الله إلا مرة