والسنة قاضية عليه قلت لم يقل أبو حنيفة هذا أصلا وقد بينا فيما مضى مذهبه وقال أيضا يستحب عندنا أن يجعل في كل غسلة قليل كافور قوله أو شيئا من كافور شك من الراوي أي اللفظين قال وقوله شيئا نكرة في سياق الإثبات فيصدق بكل شيء منه وهل يقوم المسك مقام الكافور قال بعضهم إن نظر إلى مجرد التطيب نعم وإلا فلا قلت ليس كذلك بل ينظر إن كان يوجد فيه ما ذكره من الأمور في الكافور ينبغي أن يقوم وإلا فلا إلا عند الضرورة فيقوم غيره مقامه قوله آذنني بتشديد النون الأولى قاله الكرماني ولم يبين وجهه قلت هذا أمر لجماعة الإناث من آذن يؤذن إيذانا إذا علم قوله فلما فرغنا هكذا هو بصيغة الماضي لجماعة المتكلمين وفي رواية الأصيلي فلما فرغن بصيغة الماضي للجمع المؤنث وقال بعضهم فلما فرغنا للأكثر بصيغة الخطاب من الحاضر وللأصيلي فلما فرغن بصيغة الغائب قلت هذا القائل لم يمس شيئا من علم التصريف ولا يخفى فساد تصرفه قوله حقوه بفتح الحاء المهملة وسكون القاف وفي ( المحكم ) الحقو والحقو يعني بالفتح والكسر والحقوة والحقا كله الإزار كأنه سمي بما يلاث عليه والجمع أحق وأحقاء وحقي وحقاء وقد فسره في المتن بقوله تعني إزاره يعني إزار النبي وقال بعضهم الحقو في الأصل معقد الإزار واطلق على الإزار مجازا وفي رواية ابن عوف عن محمد بن سيرين بلفظ فنزع من حقوه إزاره والحقو في هذا على حقيقته قلت إن كان أخذا من موضع كان يتعين عليه أن يبين مأخذه وإن كان هذا تصرفا من عنده فهو غير صحيح ولم يقل أحد إن الحقو في موضع مجاز وفي موضع حقيقة بل هو في الموضعين حقيقة لأنه مشترك بين المعنيين والمشترك حقيقة في المعنيين والثلاثة وأكثر والدليل على ذلك أن الجوهري قال الحقو الإزار وثلاثة أحق ثم قال والحقو أيضا الخصر ومشد الإزار قوله أشعرنها إياه أمر من الإشعار وهو إلباس الثوب الذي يلي بشرة الإنسان أي إجعلن هذا الإزار شعارها وسمي شعارا لأنه يلي شعر الجسد والدثار ما فوق الجسد والحكمة فيه التبرك بآثاره الشريفة وإنما أخره إلى فراغهن من الغسل ولم يناولهن إياه أولا ليكون قريب العهد من جسده الشريف حتى لا يكون بين انتقاله من جسده إلى جسدها فاصل وهو أصل في التبرك بآثار الصالحين واختلف في صفة إشعارها إياه فقيل يجعل لها مئزرا وقيل تلف فيه .
ذكر ما يستفاد منه فيه استحباب استعمال السدر والكافور في حق الميت وفيه دليل على جواز استعمال المسك وكل ما شابهه من الطيب وأجاز المسك أكثر العلماء وأمر علي رضي الله تعالى عنه به في حنوطه وقال هو من فضل حنوط النبي واستعمله أنس وابن عمر وسعيد بن المسيب وكرهه عمر وعطاء والحسن ومجاهد وقال عطاء والحسن أنه ميتة وفي استعمال الشارع له في حنوطه حجة عليهم وقال أصحابنا المسك حلال للرجال والنساء وفيه ما يدل على أن النساء أحق بغسل المرأة من الزوج وبه قال الحسن والثوري والشعبي وأبو حنيفة والجمهور على خلافه وهو قول الثلاثة والأوزاعي وإسحاق وفي ( التوضيح ) وقد وصت فاطمة رضي الله تعالى عنها زوجها عليا رضي الله تعالى عنه بذلك وكان بحضرة الصحابة ولم ينكر أحد فصار إجماعا قلت وفيه نظر لأن صاحب ( المبسوط ) و ( المحيط ) و ( البدائع ) وآخرون قالوا إن ابن مسعود سئل عن فعل علي رضي الله تعالى عنه في ذلك فقال إنها زوجته في الدنيا والآخرة وعنى بذلك أن الزوجية باقية بينهما لم تنقطع وفيه نظر لأنه لو بقيت الزوجية بينهما لما تزوج أمامة بنت زينب بعد موت فاطمة رضي الله تعالى عنها وقد مات عن أربع حرائر ووصية فاطمة عليا بغسلها رواه البيهقي وابن الجوزي وفي إسناده عبد الله بن نافع قال يحيى ليس بشيء وقال النسائي متروك والبيهقي رواه في ( سننه الكبير ) وسكت وظن أنه يخفى وأما المرأة إذا غسلت زوجها وهي معتدة فهو جائز له لأنها في العدة وفيه جواز تكفين المرأة في ثوب الرجل .
9 - .
( باب ما يستحب أن يغسل وترا ) .
كلمة ما مصدرية وكذا كلمة أن والتقدير هذا باب في بيان استحباب غسل الميت وترا قيل يحتمل أن تكون ما مصدرية