الخطابي ويدل على ذلك ما رواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في آخر هذا الحديث إلا تحلة القسم يعني الورود وفي ( سنن أبي سعيد بن منصور ) عن سفيان بن عيينة في آخره ثم قرأ سفيان وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) ومن طريق زمعة بن صالح عن الزهري في آخره قيل وما تحلة القسم قال قوله تعالى وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) وكذا وقع في رواية كريمة في أصل البخاري قال أبو عبد الله وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) والمراد بأبو عبد الله هو البخاري نفسه ولم يقع هذا في رواية غير كريمة ومن أقوى الدليل على أن المراد من الورود الجواز حديث عبد الرحمن بن بشير الأنصاري الذي ذكرناه في أوائل الباب وهو من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم يرد النار إلا على عابر سبيل يعني الجواز على الصراط ومع هذا اختلف السلف في المراد بالورود في الآية فقيل هو الدخول واستدل على ذلك بما رواه أحمد والنسائي والحاكم من حديث جابر مرفوعا الورود الدخول لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فيكون على المؤمنين بردا وسلاما ورواه ابن أبي شيبة أيضا وزاد كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار أو لجهنم ضجيج من بردهم ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا وروى الترمذي وقال حدثنا عبد بن حميد قال أخبرنا عبيد الله بن موسى عن إسرائيل عن السدي قال سألت مرة الهمداني عن قول الله تعالى وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) فحدثني أن عبد الله بن مسعود حدثهم قال قال رسول الله يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم فأولهم كلمح البرق ثم كالريح ثم كحضر الفرس ثم كالراكب في رحله ثم كشد الرجل ثم كمشيه هذا حديث حسن ورواه شعبة عن السدي ولم يرفعه حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الرحمن عن شعبة عن السدي بمثله قال عبد الرحمن قلت لشعبة إن إسرائيل حدثني عن السدي عن مرة عن عبد الله عن النبي قال شعبة وقد سمعته من السدي مرفوعا ولكني أدعه عمدا وقيل المراد بالورود الممر عليها واستدل على ذلك بما رواه الإمام أبو الليث السمرقندي قال حدثنا أبو الحسن محمد بن محمد مندوست قال حدثنا فارس بن مردويه قال حدثنا محمد بن الفضل قال حدثنا علي بن عاصم قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا الجريري عن أبي السليل عن غنيم بن قيس عن أبي العوام قال قال كعب هل تدرون ما قوله وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) قالوا ما كنا لنرى ورودها إلا دخولها قال لا ولكن ورودها أن يجاء بجهنم كأنها متن إهالة حتى استوت عليها أقدام الخلائق برهم وفاجرهم نادى مناد خذي أصحابك وذري أصحابي فتجيب بكل ولي لها وهي أعلم بهم من الوالد بولده وينجو المؤمنون ندية ثيابهم قوله كأنها متن إهالة أي ظهرها والإهالة بكسر الهمزة كل شيء من الأدهان مما يؤتدم به وقيل هو ما أذيب من الإلية والشحم وقيل الدسم الجامد وقيل المراد بالورود الدنو منها وقيل الإشراف عليها وقيل المراد به ما يصيب المؤمن في الدنيا من الحمى وهو محكي عن مجاهد فإنه قال الحمى حظ المؤمن من النار وقيل الورود مختص بالكفار واستدل على ذلك بقراءة بعضهم وإن منكم إلا واردها وحكي ذلك عن ابن عباس أيضا ويكون الورود على ذلك في الكفار دون المؤمنين وقال أبو عمر ظاهر قوله فتمسه النار يدل على أن المراد بالورود الدخول لأن المسيس حقيقة في اللغة المماسة ثم قال روي عن ابن عباس وعلي رضي الله تعالى عنه أن الورود الدخول وكذا رواه أحمد بن حنبل عن جابر انتهى ويدل على صحة ذلك ما رواه مسلم من حديث أم مبشر أن حفصة قالت للنبي لما قال لا يدخل أحد شهد الحديبية النار أليس الله يقول وإن منكم إلا واردها ( مريم 17 ) فقال لها أليس الله يقول ثم ننجي الذين اتقوا ( مريم 27 ) الآية ويكون على مذهب هؤلاء ثم ننجي الذين اتقوا بخروج المتقين من جملة من يدخلها ليعلم فضل النعمة بما شاهدوا فيه أهل العذاب .
ذكر إعرابه قوله فيلج النار منصوب بأن المقدرة تقديره فأن يلج النار لأن الفعل المضارع المنفي ينصب بأن المقدرة وحكى الطيبي عن بعضهم إنما تنصب الفاء الفعل المضارع بتقدير أن إذا كان ما قبلها أو ما بعدها سببية ولا سببية ههنا إذ لا يجوز أن يكون موت الأولاد ولا عدمه سببا لولوج أبيهم النار فالفاء بمعنى الواو التي للجمعية وتقديره لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة من أولاده وولوجه النار ونظيره ما ورد ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم فيضره شيء بالنصب وتقديره لا يجتمع قول عبد هذه الكلمات في هذه الأوقات وضر شيء إياه قال الطيبي إن كانت الرواية على النصب فلا محيد عن ذلك والرفع يدل على أنه لا يوجد ولوج النار عقيب موت الأولاد إلا مقدارا يسيرا ومعنى فاء التعقيب كمعنى الماضي في قوله تعالى