في أمر الوحي وإنما الحديث في النية فلا يلزم من ذلك ما قاله فافهم .
( بيان اللغة ) قوله سمعت من سمعت الشيء سمعا وسماعا وسماعة والسمع سمع الإنسان فيكون واحدا وجمعا قال الله تعالى ( ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم ) لأنه في الأصل مصدر كما ذكرنا ويجمع على أسماع وجمع القلة أسمع وجمع الأسمع أسامع ثم النحاة اختلفوا في سمعت هل يتعدى إلى مفعولين على قولين أحدهما نعم وهو مذهب الفارسي قال لكن لا بد أن يكون الثاني مما يسمع كقولك سمعت زيدا يقول كذا ولو قلت سمعت زيدا أخاك لم يجز والصحيح أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد والفعل الواقع بعد المفعول في موضع الحال أي سمعته حال قوله كذا قوله على المنبر بكسر الميم مشتق من النبر وهو الارتفاع قال الجوهري نبرت الشيء أنبره نبرا رفعته ومنه سمى المنبر قلت هو من باب ضرب يضرب وفي العباب نبرت الشيء أنبره مثل كسرته أكسره أي رفعته ومنه سمي المنبر لأنه يرتفع ويرفع الصوت عليه فإن قلت هذا الوزن من أوزان الآلة وقد علم أنها ثلاثة مفعل كمحلب ومفعال كمفتاح ومفعلة كمكحلة وكان القياس فيه فتح الميم لأنه موضع العلو والارتفاع قلت هذا ونحوه من الأسماء الموضوعة على هذه الصيغة وليست على القياس وقال الكرماني وهو بلفظ الآلة لأنه آلة الارتفاع وفيه نظر لأن الآلة هي ما يعالج بها الفاعل المفعول كالمفتاح ونحوه والمنبر ليس كذلك وإنما هو موضع العلو والارتفاع والصحيح ما ذكرناه قوله الأعمال جمع عمل وهو مصدر قولك عمل يعمل عملا والتركيب يدل على فعل يفعل فإن قلت ما الفرق بين العمل والفعل قلت قال الصغاني وتركيب الفعل يدل على إحداث شيء من العمل وغيره فهذا يدل على أن الفعل أعم منه والفعل بالكسر الاسم وجمعه فعال وأفعال وبالفتح مصدر قولك فعلت الشيء أفعله فعلا وفعالا قوله بالنيات جمع نية من نوى ينوي من باب ضرب يضرب قال الجوهري نويت نية ونواة أي عزمت وانتويت مثله قال الشاعر ( صرمت أميمة خلتي وصلاتي .
ونوت ولما تنتوي كنواتي ) .
تقول لو تنو في كما نويت فيها وفي مودتها والنيات بتشديد الياء هو المشهور وقد حكى النووي تخفيف الياء وقال بعض الشارحين فمن شدد وهو المشهور كانت من نوى ينوي إذا قصد ومن خفف كان من ونى ينى إذا أبطأ وتأخر لأن النية تحتاج في توجيهها وتصحيحها إلى إبطاء وتأخر قلت هذا بعيد لأن مصدر ونى ينى ونيا قال الجوهري يقال ونيت في الأمر أنى ونيا أي ضعفت فأنا وان ثم اختلفوا في تفسير النية فقيل هو القصد إلى الفعل وقال الخطابي هو قصدك الشيء بقلبك وتحرى الطلب منك له وقال التيمي النية ههنا وجهة القلب وقال البيضاوي النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا وقال النووي النية القصد وهو عزيمة القلب وقال الكرماني ليس هو عزيمة القلب لما قال المتكلمون القصد إلى الفعل هو ما نجده من أنفسنا حال الإيجاد والعزم قد يتقدم عليه ويقبل الشدة والضعف بخلاف القصد ففرقوا بينهما من جهتين فلا يصح تفسيره به قلت العزم هو إرادة الفعل والقطع عليه والمراد من النية ههنا هذا المعنى فلذلك فسر النووي القصد الذي هو النية بالعزم فافهم على أن الحافظ أبا الحسن علي بن المفضل المقدسي قد جعل في أربعينه النية والإرادة والقصد والعزم بمعنى ثم قال وكذا أزمعت على الشيء وعمدت إليه وتطلق الإرادة على الله تعالى ولا تطلق عليه غيرها قوله امرىء الامرىء الرجل وفيه لغتان امرىء كزبرج ومرء كفلس ولا جمع له من لفظه وهو من الغرائب لأن عين فعله تابع للام في الحركات الثلاث دائما وكذا في مؤنثه أيضا لغتان امرأة ومرأة وفي الحديث استعمل اللغة الأولى منهما من كلا النوعين إذ قال لكل امرىء وإلى امرأة قوله هجرته بكسر الهاء على وزن فعلة من الهجر وهو ضد الوصل ثم غلب ذلك على الخروج من أرض إلى أرض وترك الأولى للثانية قاله في النهاية وفي العباب الهجر ضد الوصل وقد هجره يهجره بالضم هجرا أو هجرانا والاسم الهجرة ويقال الهجرة الترك والمراد بها هنا ترك الوطن والانتقال إلى غيره وهي في الشرع مفارقة دار الكفر إلى دار الإسلام خوف الفتنة وطلب إقامة الدين وفي الحقيقة مفارقة ما يكرهه الله تعالى إلى ما يحبه ومن ذلك سمى الذين تركوا توطن مكة وتحولوا