سجودا مع عدم أهليته فالمتأهل لذلك أحرى بأن يسجد على كل حال ويؤيده ما في حديث ابن مسعود أن الذي ما سجد عوقب بأن قتل كافرا فلعل جميع من وفق للسجود يومئذ ختم له بالحسنى فأسلم ببركة السجود انتهى .
قلت فيه بحث من وجوه .
الأول أن تقريرهم على السجود لم يكن لاعتبار سجودهم وإنما كان طمعا لإسلامهم .
الثاني أن تسمية الصحابي فعلهم سجودا بالنظر إلى الصورة مع علمه بأن سجودهم كلا سجود لأن السجود طاعة والطاعة موقوفة على الإيمان .
الثالث أن قوله ولعل جميع من وفق إلى آخره ظن وتخمين فلا يبتنى عليه حكم ثم الذي قاله ابن بطال إنما كان لما ألقى الشيطان على لسانه إلى آخره موجود في كثير من التفاسير ذكروا أنه لما قرأ سورة النجم ووقع في السورة ذكر آلهتهم في قوله تعالى أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ( النجم 91 و02 ) وسمعوا ذكر آلهتهم في القرآن فربما ظنوه أو بعضهم أن ذلك مدح لها وقيل إنهم سمعوا بعد ذكر آلهتهم تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجى فقيل إن بعضهم هو القائل لها أي بعض المشركين لما ذكر آلهتهم خشوا أن يذمها فبدر بعضهم فقال ذلك سمعه من سمعه وظنوا أو بعضهم أن ذلك من قراءة النبي وقيل إن إبليس لعنه الله هو الذي قال ذلك حين وصل النبي إلى هذه اللآية فظنوا أنه هو الذي قال ذلك وقيل إن إبليس أجرى ذلك على لسانه وهذا باطل قطعا وما كان الله ليسلطه على نبيه وقد عصمه منه ومن غيره وكذلك كون إبليس قالها وشبه صوته بصوت النبي باطل أيضا وإذا كان لا يستطيع أن يتشبه به في النوم كما أخبر النبي بذلك في الحديث الصحيح وهو قوله من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتشبه بي ولا يتمثل بي فإذا كان لا يقدر على التشبه به في المنام من الرائي له والنائم ليس في محل التكليف والضبط فكيف يتشبه به في حالة إستيقاظ من يسمع قراءته هذا من المحال الذي لا يقبله قلب مؤمن وهذا الحديث الذي ذكر فيه ذكر ذلك أكثر طرقه منقطعة معلولة ولم يوجد لها إسناد صحيح ولا متصل إلا من ثلاثة طرق أحدها ما رواه البزار في مسنده قال حدثنا يوسف بن حماد حدثنا أمية بن خالد حدثنا شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب أشك في الحديث أن النبي كان بمكة فقرأ سورة النجم حتى انتهى إلى أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ( النجم 91 و02 ) فجرى على لسانه تلك الغرانيق العلى الشفاعة منهم ترتجى قال فسمع ذلك مشركو أهل مكة فسروا بذلك فاشتد على رسول الله فأنزل الله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ( الحج 25 ) ثم قال البزار ولا نعلمه يروى بإسناد متصل يجوز ذكره ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالد وغيره يرسله عن سعيد بن جبير قال وإنما يعرف هذا من حديث الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وفي تفسير أبي بكر بن مردويه عن سعيد بن جبير لا أعلمه إلا عن ابن عباس أن النبي قرأ النجم فلما بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ( النجم 91 و02 ) ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وشفاعتها ترتجى فلما بلغ آخرها سجد وسجد معه المسلمون والمشركون فأنزل الله تعالى وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته ( الحج 25 ) إلى قوله عذاب يوم عقيم ( الحج 55 ) قال يوم بدر والطريق الثاني رواية محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس والطريق الثالث ما رواه ابن مردويه في ( تفسيره ) قال حدثنا أحمد بن كامل حدثنا محمد بن سعيد حدثني أبي حدثنا عمي حدثنا أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ( النجم 91 و02 ) قال بينما رسول الله يصلي أنزلت عليه آلهة العرب فسمع المشركون يتلوها وقالوا إنه يذكر آلهتنا بخير فدنوا فبينما هو يتلوها ألقى الشيطان تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى فعلق يتلوها فنزل جبريل عليه السلام فنسخها ثم قال وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ( الحج 25 ) الآية وظاهر هذه الرواية الثالثة أن الآية أنزلت عليه في الصلاة وأنه تلا ما أنزل عليه وأن الشيطان ألقى عليه هذه الزيادة وأن النبي علق يتلوها يظن أنها أنزلت وأنه اشتبه عليه ما ألقاه الشيطان بوحي الملك إليه وهذا أيضا ممتنع في حقه أن يدخل عليه فيما حقه البلاغ وكيف يشتبه عليه مزج الذم بالمدح فآخر الكلام وهو قوله ألكم الذكر وله الأنثى ( النجم 12 ) الآيات رد لما ألقاه الشيطان على زعمهم وجميع هذه المسانيد الثلاثة لا يحتج بشيء منها أما الإسناد الأول وإن كان رجاله ثقات فإن الراوي شك فيه كما أخبر عن نفسه فإما شك