على فعله شهرا بأدلتنا والثالث ما روي عن البراء بن عازب وقد ذكرناه وقال أحمد لا يروى عن النبي أنه قنت في المغرب إلا في هذا الحديث والرابع ما هو صريح في حجتهم نحو ما رواه عبد الرزاق في ( مصنفه ) وقد ذكرناه انتهى قلت كيف تستدل الشافعية بهذا الحديث وهم لا يرون القنوت في المغرب فيعملون ببعض الحديث ويتركون بعضه وهذا تحكم .
وقد أورد الخطيب في كتابه الذي صنفه في ( القنوت ) أحاديث أظهر فيها تعصبه فمنها ما أخرجه عن دينار بن عبد الله خادم أنس بن مالك عن أنس قال ما زال رسول الله يقنت في صلاة الصبح حتى مات قال ابن الجوزي وسكوته عن القدح في هذا الحديث واحتجاحه به وقاحة عظيمة وعصبية باردة وقلة دين لأنه يعلم أنه باطل وقال ابن حبان دينار يروي عن أنس أشياء موضوعة لا يحل ذكرها في الكتب إلا على سبيل القدح فيها فواعجبا للخطيب أما سمع في الصحيح من حدث عني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين وهل مثله إلا مثل من أنفق بهرجا ودلسه فإن أكثر الناس لا يعرفون الصحيح من السقيم وإنما يظهر ذلك للنقاد فإذا أورد الحديث محدث واحتج به حافظ لم يقع في النفوس إلا أنه صحيح ولكن عصبيته حملته على هذا ومن نظر في كتابه الذي صنفه في ( القنوت ) وكتابه الذي صنفه في ( الجهر بالبسملة ) ومسألة العتم واحتجاجه بالأحاديث التي يعلم بطلانها اطلع على فرط عصبيته وقلة دينه ثم ذكر له أحاديث أخرى كلها عن أنس أن النبي لم يزل يقنت في الصبح حتى مات وطعن في أسانيدها .
وقال الكرماني فإن قلت كيف حكم القنوت في المغرب قلت كان رسول الله تارة يقنت في جميع الصلوات وتارة في طرفي النهار لزيادة شرف وقتهما حرصا على إجابة الدعاء حتى نزل ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران 821 ) فترك إلا في الصبح كما روى أنس أنه لم يزل يقنت في الصبح حتى فارق الدنيا انتهى قلت قال الطحاوي حدثنا ابن أبي داود حدثنا المقدمي حدثنا أبو معشر حدثنا أبو حمزة عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال قنت رسول الله شهرا يدعو على عصبة وذكوان فلما ظهر عليهم ترك القنوت وكان ابن مسعود لا يقنت في صلاته ثم قال فهذا ابن مسعود يخبر أن قنوت رسول الله الذي كان إنما كان من أجل من كان يدعو عليه وأنه قد كان ترك ذلك فصار القنوت منسوخا فلم يكن هو من بعد رسول الله يقنت وكان أحد من روى أيضا عن رسول الله عبد الله بن عمر ثم أخبرهم أن الله D نسخ ذلك حين أنزل على رسول الله ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران 821 ) الآية فصار ذلك عن ابن عمر منسوخا أيضا فلم يكن هو يقنت بعد رسول الله وكان ينكر على من كان يقنت وكان أحد من روى عنه القنوت عن رسول الله عبد الرحمن بن أبي بكر فأخبر في حديثه بأن ما كان يقنت به رسول الله دعاء على من كان يدعو عليه وأن الله D نسخ ذلك بقوله ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران 821 ) الآية ففي ذلك أيضا وجوب ترك القنوت في الفجر انتهى فإذا كان الأمر كذلك فمن أين للكرماني حيث يقول إلا في الصبح والحديث الذي استدل به على ذلك لا يفيده لأنا قد ذكرنا أن القنوت يأتي لمعان كثيرة منها الطول في الصلاة وقال أفضل الصلاة طول القنوت فإن قلت قد ثبت عن أبي هريرة أنه كان يقنت في الصبح بعد النبي فكيف تكون الآية ناسخة لجملة القنوت وكذا أنكر البيهقي ذلك فبسط فيه كلاما في ( كتاب المعرفة ) فقال وأبو هريرة أسلم في غزوة خيبر وهو بعد نزول الآية بكثير لأنها نزلت في أحد وكان أبو هريرة يقنت في حياته وبعد وفاته قلت يحتمل أن أبا هريرة لم يكن علم نزول هذه الآية فكان يعمل على ما علم من فعل رسول الله وقنوته إلى أن مات لأن الحجة لم تثبت عنده بخلاف ذلك ألا ترى أن عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله تعالى عنهم لما علما بنزول الآية وعلما كونها ناسخة لما كان يفعله تركا القنوت وعن إبراهيم بسند صحيح أنه لا يقنت في صلاة الصبح وعن عمرو بن ميمون والأسود أن عمر بن الخطاب لم يقنت في الفجر وكان ابن عباس وابن عمر لا يقنتان فيه وكذلك ابن الزبير وجده أبو بكر الصديق وسعيد بن جبير وإبراهيم وقال الشعبي إنما جاء القنوت في الفجر من قبل الشام وعن ابن عمر وطاووس القنوت في الفجر بدعة وقد ذكرناه فيما مضى وبه قالت جماعة وروى الترمذي عن أبي مالك الأشجعي عن أبيه عمر قال صليت خلف النبي فلم يقنت وخلف أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فلم يقنتوا يا بني إنه محدث وزاد ابن منده في ( كتاب القنوت ) رواه جماعة من الثقات عن أبي مالك واسم أبي مالك