إنماأمرني أمير المأمنين أن أرفعه فدعا نجارا وكان ثلاث درجات فزاد فيه الزيادة التي هو عليها اليوم ورواه من وجه آخر قال فكسفت الشمس حتى رأينا النجوم قال وزاد فيه ست درجات وقال إنما زدت فيه حين كثر الناس فإن قلت روى أبو داود عن ابن عمر أن النبي لما بدن قال له تميم الداري ألا اتخذ لك منبرا يا رسول الله يجمع أو يحمل عظامك قال بلى فاتخذ له منبرا مرقاتين أي اتخذ له منبرا درجتين فبينه وبين ما ثبت في الصحيح أنه ثلاث درجات منافاة قلت الذي قال مرقاتين لم يعتبر الدرجة التي كان يجلس عليها وقال ابن النجار وغيره استمر على ذلك إلا ما أصلح منه إلى أن أحترق مسجد المدينة سنة أربع وخمسين وستمائة فاحترق ثم جدد المظفر صاحب اليمن سنة ست وخمسين منبرا ثم أرسل الظاهر بيبرس C بعد عشر سنين منبرا فأزيل منبر المظفر فلم يزل ذلك إلى هذا العصر فأرسل الملك المؤيد شيخ C في سنة عشرين وثمان مائة منبرا جديدا وكان أرسل في سنة ثماني عشرة منبرا جديدا إلى مكة أيضا .
قوله وأجلس بالرفع والجزم قاله الكرماني قلت أما الرفع فعلى تقدير وأنا أجلس وأما الجزم فلأنه جواب الأمر قوله من طرفاء الغابة وفي رواية سفيان عن أبي حازم من أثل الغابة الطرفاء بفتح الطاء وسكون الراء المهملتين وبعد الراء فاء ممدودة وهو شجر من شجر البادية واحدها طرفة بفتح الفاء مثل قصبة وقصباء وقال سيبويه الطرفاء وأحمد وجمع والأثل بسكون الثاء المثلثة قال القزاز هو ضرب من الشجر يشبه الطرفاء وقال الخطابي هو الشجرة الطرفاء قلت فعلى هذا لا منافاة بين الروايتين والغاية بالغين المعجمة وبعد الألف باء موحدة وهي أرض على تسعة أميال من المدينة كانت إبل النبي مقيمة بها للمرعى وبها وقعت قصة العرنيين الذي أغاروا على سرحه وقال ياقوت بينها وبين المدينة أربعة أميال وقال الزمخشري الغابة بريد من المدينة من طريق الشام وفي ( الجامع ) كل شجر ملتف فهو غابة وفي ( المحكم ) الغابة الأجمة التي طالت ولها أطراف مرتفعة باسقة وقال أبو حنيفة هي أجمة القصب قال وقد جعلت جماعة الشجر غابا مأخوذا من الغيابة والجمع غابات وغاب قوله فأرسلت أي المرأة تعلم النبي بأنه فرغ قوله فأمر بها فوضعت أنث الضمير في الموضعين باعتبار الأعواد والدرجات قوله عليها أي على الأعواد قوله وهو عليها جملة حالية قوله ثم نزل القهقرى وهو الرجوع إلى خلف قيل يقال رجع القهقرى ولا يقال نزل القهقرى لأنه نوع من الرجوع لا من النزول وأجيب بأنه لما كان النزول رجوعا من فوق إلى تحت صح ذلك وكان الحامل على ذلك المحافظة على استقبال القبلة ولم يذكر في هذه الرواية القيام بعد الركوع ولا القراءة بعد التكبير وقد بين ذلك في رواية سفيان عن أبي حازم ولفظه كبر فقرأ وركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى وفي رواية هشام بن سعد عن أبي حازم عند الطبراني فخطب الناس عليه ثم أقيمت الصلاة فكبر وهو على المنبر قوله في أصل المنبر أي على الأرض إلى جنب الدرجة السفلى منه قوله ثم عاد وزاد مسلم من رواية عبد العزيز حتى فرغ من آخر صلاته قوله ولتعلموا بكسر اللام وفتح التاء المثناة من فوق وتشديد اللام وأصله لتتعلموا فحذفت إحدى التاءين وعرف منه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر ليراه من قد يخفى عليه رؤيته إذا صلى على الأرض وقال ابن حزم وبكيفية هذه الصلاة قال أحمد والشافعي والليث وأهل الظاهر ومالك وأبو حنيفة لا يجيزانها وقال ابن التين الأشبه أن ذلك كان له خاصة .
ذكر ما يستفاد منه فيه أن من فعل شيئا يخالف العادة بين حكمته لأصحابه فإن النبي صلى هذه الصلاة بهذه الكيفية وكان ذلك لمصلحة بيناها فنقول إذا كان مثل ذلك لمصلحة ينبغي أن لا تفسد صلاته ولا تكره أيضا كما في مسألة من انفرد خلف الصف وحده فإن له أن يجذب واحدا من الصف إليه ويصطفان فإن المجذوب لا تبطل صلاته ولو مشى خطوة أو خطوتين وبه صرح أصحابنا في الفقه وفيه دليل على أن الفعل الكثير بالخطوات وغيرها إذا تفرق لا يبطل الصلاة لأن النزول عن المنبر والصعود تكرر وجملته كثيرة ولكن أفراده المتفرقة كل واحد منها قليل وفيه استحباب اتخاذ المنبر لكونه أبلغ في مشاهدة الخطيب والسماع منه ويستحب أن يكون المنبر على يمين المحراب مستقبل القبلة فإن لم يكن منبر فموضع عال وإلا فإلى خشبة للاتباع فإنه كان يخطب إلى جذع قبل اتخاذ المنبر فلما صنع تحول إليه ويكره المنبر الكبير جدا الذي يضيق على المصلين إذا لم يكن المسجد متسعا وفيه استحباب الافتتاح بالصلاة في كل شيء جديد إما شكرا وإما تبركا