قال له أعد صلاتك على هذه الكيفية انتهى قلت إنما أمره بالإعادة على الكيفية الكاملة ولا يستلزم ذلك نفي ذات الصلاة فالنفي راجع إلى الصفة لا إلى الذات والدليل عليه أن صلاته لو كانت فاسدة لكان الاشتغال بذلك عبثا والنبي لا يقرر أحدا على الاشتغال بالعبث وهذا هو الذي ذكره المتأخرون من أصحابنا نصرة لأبي حنيفة ومحمد في ذهابهما إلى أن الطمأنينة في الركوع والسجود واجبة وليست بفرض حتى قال في ( الخلاصة ) إنها سنة عندهما وقالوا لأن الركوع هو الانحناء والسجود هو الانخفاض لغة فتتعلق الركنية بالأدنى منهما وقالوا أيضا قوله تعالى اركعوا واسجدوا ( الحج 77 ) أمر بالركوع والسجود وهما لفظان خاصان يراد بهما الانحناء والانخفاض فيتأدى ذلك بأدنى ما ينطلق عليه من ذلك وافتراض الطمأنينة فيهما بخبر الواحد زيادة على مطلق النص وهو نسخ وذا لا يجوز وأما الطحاوي الذي هو العمدة في بيان اختلاف العلماء في الفقه فإنه لم ينصب الخلاف بين أصحابنا الثلاثة على هذا الوجه فإنه قال في ( شرح معاني الآثار ) باب مقدار الركوع والسجود الذي لا يجزىء أقل منه ثم روى حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي أنه قال إذا قال أحدكم في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاثا فقد تم ركوعه وذلك أدناه وإذا قال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاثا فقد تم سجوده وذلك أدناه وأخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه ثم قال فذهب قوم إلى هذا وأراد به إسحاق وداود وأحمد في رواية مشهورة وسائر الظاهرية فإنهم قالوا مقدار الركوع والسجود الذي لا يجزىء أقل منه هو المقدار الذي يقول فيه سبحان ربي العظيم سبحان ربي الأعلى كل واحد ثلاث مرات وخالفهم في ذلك آخرون وأراد بهم الثوري والأوزاعي وأبا حنيفة وأبا يوسف ومحمدا ومالكا والشافعي وعبد الله بن وهب وأحمد في رواية فإنهم قالوا مقدار الركوع والسجود أن يركع حتى يستوي راكعا ومقدار السجود أن يسجد حتى يطمئن ساجدا وهذا المقدار الذي لا بد منه ولا تتم الصلاة إلا به ثم روى حديث رفاعة بن رافع في احتجاجهم فيما ذهبوا إليه ثم في آخر الباب قال وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ولم ينصب الخلاف بينهم مثل ما نصبه صاحب ( الهداية ) و ( المبسوط ) و ( المحيط ) وغيرهم .
( إذا قالت حذام فصدقوهافإن القول ما قالت حذام ) .
وعن هذا أجيب عما قاله شراح ( الهداية ) في هذا الموضع في شرحنا له فمن أراد ذلك فليرجع إليه .
الثالث إن قوله فكبريدل على أن الشروع في الصلاة لا يكون إلا بالتكبير وهو فرض بلا خلاف .
الرابع إن قوله ثم اقرأيدل على أن القراءة فرض في الصلاة .
الخامس قوله ما تيسر يدل على أن الفرض مطلق القراءة وهو حجة لأصحابنا على عدم فرضية قراءة الفاتحة إذ لو كانت فرضا لأمره لأن المقام مقام التعليم وقال الخطابي قوله ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ظاهره الإطلاق والتخيير والمراد منه فاتحة الكتاب لمن أحسنها لا يجزيه غيرها بدليل قوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وهذا في الإطلاق كقوله تعالى فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ( البقرة 196 ) ثم قال أقل ما يجرىء من الهدي معينا معلوم المقدار ببيان السنة وهو الشاة قلت يريد الخطابي أن يتخذ لمذهبه دليلا على حسب اختياره بكلام ينقض أوله آخره وحيث اعترف أولا أن ظاهر هذا الكلام الإطلاق والتخيير وحكم المطلق أن يجري على إطلاقه وكيف يكون المراد منه فاتحة الكتاب وليس فيه إجمال وقوله وهذا في الإطلاق كقوله تعالى إلى آخره ظاهر الفساد لأن الهدى اسم لما يهدى إلي الحرم وهو يتناول الإبل والبقر والغنم وفيه إجمال وأقل ما يجزىء شاة فيكون مرادا بالسنة بخلاف قوله ما تيسر معك من القرآن فإنه ليس كذلك لأنه يتناول كل ما يطلق عليه القرآن فيتناول الفاتحة وغيرها وليس فيه إجمال وتخصيصه بفاتحة الكتاب من غير مخصص ترجيح بلا مرجح وهو باطل ولا يجوز أن يكون قوله لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب مخصصا لأنه ينافي معنى التيسر فينقلب إلى تعسر وهذا باطل ولا يجوز أن يكون مفسرا لأنه ليس فيه إبهام ومن قال إنه مجمل كالتيمي وغيره وحديث عبادة مفسر والمفسر قاض على المجمل فقد أبعد جدا لأنه لا يصدق عليه حد الإجمال كما ذكرنا عن قريب وقال النووي أما حديث اقرأ ما تيسر فمحمول على الفاتحة فإنها متيسرة أو على ما زاد على الفاتحة بعدها أو على من عجز عن الفاتحة قلت هذا تمشية لمذهبه بالتحكم وكل هذا خارج عن معنى كلام الشارع أما قوله فالفاتحة متيسرة فلا يدل عليه تركيب الكلام أصلا لأن ظاهره يتناول الفاتحة وغيرها مما ينطلق عليه اسم