أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ) الآية فأعلم الله تعالى أن أمره كأمر النبيين من قبله يوحى إليه كما يوحى إليهم وقال عبد القاهر في نحو قوله تعالى ( وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء ) ( وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) ( التوبة ويا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم ) وغير ذلك مما يشابه هذه أن التأكيد في مثل هذه المقامات لتصحيح الكلام السابق والاحتجاج له وبيان وجه الفائدة فيه ثم النون في قوله ( أوحينا ) للتعظيم وقد علم أن نا وضعت للجماعة فإذا أطلقت على الواحد يكون للتعظيم فافهم .
( بيان البيان ) الكاف في قوله ( كما أوحينا ) للتشبيه وهي الكاف الجارة والتشبيه هو الدلالة على مشاركة أمر لأمر في وصف من أوصاف أحدهما في نفسه كالشجاعة في الأسد والنور في الشمس والمشبه ههنا الوحي إلى محمد والمشبه به الوحي إلى نوح والنبيين من بعده ووجه التشبيه هو كونه وحي رسالة لا وحي إلهام لأن الوحي ينقسم على وجوه والمعنى أوحينا إليك وحي رسالة كما أوحينا إلى الأنبياء عليهم السلام وحي رسالة لا وحي إلهام .
( بيان التفسير ) هذه الآية الكريمة في سورة النساء وسبب نزول الآية وما قبلها أن اليهود قالوا للنبي إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة من السماء كما أتى به موسى عليه السلام فأنزل الله تعالى ( يسألك أهل الكتاب ) الآيات فأعلم الله تعالى أنه نبي يوحى إليه كما يوحى إليهم وأن أمره كأمرهم ( فإن قلت ) لم خصص نوحا عليه السلام بالذكر ولم يذكر آدم عليه السلام مع أنه أول الأنبياء المرسلين قلت أجاب عنه بعض الشراح بجوابين الأول أنه أول مشرع عند بعض العلماء والثاني أنه أول نبي عوقب قومه فخصصه به تهديدا لقوم محمد وفيهما نظر أما الأول فلا نسلم أنه أول مشرع بل أول مشرع هو آدم عليه السلام فإنه أول نبي أرسل إلى بنيه وشرع لهم الشرائع ثم بعده قام بأعباء الأمر شيث عليه السلام وكان نبيا مرسلا وبعده إدريس عليه السلام بعثه الله إلى ولد قابيل ثم رفعه الله إلى السماء وأما الثاني فلأن شيث عليه السلام هو أول من عذب قومه بالقتل وذكر الفربري في تاريخه أن شيث عليه السلام سار إلى أخيه قابيل فقاتله بوصية أبيه له بذلك متقلدا بسيف أبيه وهو أول من تقلد بالسيف وأخذ أخاه أسيرا وسلسله ولم يزل كذلك إلى أن قبض كافرا والذي يظهر لي من الجواب الشافي عن هذا أن نوحا عليه السلام هو الأب الثاني وجميع أهل الأرض من أولاد نوح الثلاثة لقوله تعالى ( وجعلنا ذريته هم الباقين ) فجميع الناس من ولد سام وحام ويافث وذلك لأن كل من كان على وجه الأرض قد هلكوا بالطوفان إلا أصحاب السفينة وقال قتادة لم يكن فيها إلا نوح عليه السلام وامرأته وثلاثة بنيه سام وحام ويافث ونساؤهم فجميعهم ثمانية وقال ابن إسحق كانوا عشرة سوى نسائهم وقال مقاتل كانوا اثنين وسبعين نفسا وعن ابن عباس كانوا ثمانين إنسانا أحدهم جرهم والمقصود لما خرجوا من السفينة ماتوا كلهم ما خلا نوحا وبنيه الثلاثة وأزواجهم ثم مات نوح عليه السلام وبقي بنوه الثلاثة فجميع الخلق منهم وكان نوح عليه السلام أول الأنبياء المرسلين بعد الطوفان وسائر الأنبياء عليهم السلام بعده ما خلا آدم وشيث وإدريس فلذلك خصه الله تعالى بالذكر ولهذا عطف عليه الأنبياء لكثرتهم بعده .
( بيان تصدير الباب بالآية المذكورة ) اعلم أن عادة البخاري C تعالى أن يضم إلى الحديث الذي يذكره ما يناسبه من قرآن أو تفسير له أو حديث على غير شرطه أو أثر عن بعض الصحابة أو عن بعض التابعين بحسب ما يليق عنده ذلك المقام ومن عادته في تراجم الأبواب ذكر آيات كثيرة من القرآن وربما اقتصر في بعض الأبواب عليها فلا يذكر معها شيئا أصلا وأراد بذكر هذه الآية في أول هذا الكتاب الإشارة إلى أن الوحي سنة الله تعالى في أنبيائه عليهم السلام .
1 - حدثنا الحميدي عبد الله بن الزبير قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد الأنصاري قال أخبرني محمد بن إبراهيم التيمي أنه سمع علقمة بن وقاص الليثي يقول سمعت عمر بن الخطاب Bه على المنبر قال سمعت رسول الله يقول إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة