أجلهن ( البقرة 234 والطلاق 2 ) أي قاربن لأن العدة إذا تمت فلا رجعة وكان فيه تامة فلا تحتاج إلى خبر فهذا التفسير يدفع إشكال من يقول إنه إذا جعل أذانه غاية للأكل فلو لم يؤذن حتى يدخل الصباح للزم منه جواز الأكل بعد طلوع الفجر والإجماع على خلافه إلا ما روى عن سليمان الأعمش جوازه بعد طلوع الفجر ولا يعتد به فإن قيل يشكل على هذا ما رواه البيهقي من حديث الربيع بن سليمان عن ابن وهب عن يونس والليث جميعا عن ابن شهاب وفيه ولم يكن يؤذن حتى يقول الناس حين ينظرون إلى بزوغ الفجر أذن وكذا رواية البخاري في الصيام حتى يؤذن ابن أم مكتوم فإنه لا يؤذن حتى يطلع الفجر وأيضا فإن قوله إن بلالا يؤذن بليل يشعر أن ابن أم مكتوم بخلافه ولأنه لو كان قبل الصبح لم يكن بينه وبين بلال فرق لصدق أن كلا منهما أذن قبل الوقت وأجيب بأن المراد بالبزوغ ابتداء طلوع الفجر فيكون أذانه علامة لتحريم الأكل والظاهر أنه كان يراعي له الوقت والدليل عليه ما رواه أبو قرة من وجه آخر عن ابن عمر حديثا فيه وكان ابن ام مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه ولا يكون توخي الأعمى في مثل هذا إلا من كان له من يراعي الوقت وأجاب بعضهم بأنه لا يلزم من كون المراد بقولهم أصبحت أي قاربت الصباح وقوع أذانه قبل الفجر لاحتمال أن يكون قولهم ذلك وقع في آخر جزء من الليل وأذانه يقع في أول جزء من طلوع الفجر انتهى قلت هذا بعيد جدا والمؤقت الحاذق في علمه يعجز عن تحرير ذلك .
ذكر ما يستفاد منه احتج به الأوزاعي وعبد الله بن المبارك ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وداود وابن جرير الطبري فقالوا يجوز أن يؤذن للفجر قبل دخول وقته وممن ذهب إليه أبو يوسف واحتجوا أيضا بما رواه البخاري عن عائشة عن النبي أنه قال إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم على ما يجيء ورواه مسلم والنسائي أيضا ولفظه إذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن ام مكتوم فإن قلت روى ابن خزيمة في ( صحيحه ) من حديث أنيسة بنت خبيب قالت قال رسول الله إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا وإن كانت المرأة منا ليبقى عليها شيء من سحورها فتقول لبلال أمهل حتى أفرغ من سحوري وروى الدارمي من حديث الأسود عن عائشة قالت كان لرسول الله ثلاثة مؤذنين بلال وأبو محذورة وعمرو بن أم مكتوم فقال رسول الله إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد وروى النسائي أيضا عن يعقوب عن هشيم عن منصور عن خبيب بن عبد الرحمن عن عمته أنيسة نحو حديث ابن خزيمة قلت يجوز أن يكون النبي قد جعل الأذان بالليل نوبا بين بلال وعمرو فأمر في بعض الليالي بلالا أن يؤذن أولا بالليل فإذا نزل بلال صعد عمرو فأذن بعده بالنهار فإذا جاءت نوبة عمرو بدأ فأذن بليل فإذا نزل صعد بلال فأذن بعده بالنهار وكانت مقالة النبي إن بلالا يؤذن بليل في الوقت الذي كانت النوبة لبلال في الأذان بالليل وكانت مقالته إن ابن مكتوم يؤذن بليل في الوقت الذي كانت النوبة في الأذان بالليل نوبة ابن أم مكتوم فكان يعلم الناس في كلا الوقتين أن الأذان الأول منهما هو أذان بليل لا بنهار وأنه لا يمنع من إراد الصوم طعاما ولا شرابا وإن الأذان الثاني إنما يمنع المطعم والمشرب إذ هو بنهار لا بليل وقال الثوري وأبو حنيفة ومحمد وزفر بن الهذيل لا يجوز أن يؤذن للفجر أيضا إلا بعد دخول وقتها كما لا يجوز لسائر الصلوات إلا بعد دخول وقتها لأنه للإعلام به وقبل دخوله تجهيل وليس بإعلام فلا يجوز وأما الجواب عن أذان بلال الذي كان يؤذن بالليل قبل دخول الوقت فلم يكن ذلك لأجل الصلاة بل إنما كان ذلك لينتبه النائم وليتسحر الصائم وليرجع الغائب بين ذلك ما رواه البخاري من حديث ابن مسعود عن النبي قال لا يمنعن أحدكم أو واحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع غائبكم ولينتبه نائمك الحديث على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى وأخرجه مسلم أيضا وأخرجه الطحاوي من ثلاث طرق ولفظه لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه ينادي أو يؤذن ليرجع غائبكم ولينتبه نائمكم الحديث ومعنى ليرجع غائبكم ليرد غائبكم من الغيبة ورجع يتعدى بنفسه ولا يتعدى والرواية المشهورة ليرجع قائمكم من القيام ومعناه ليكمل ويستعجل بقية ورده ويأتي بوتره قبل الفجر وقال عياض ما ملخصه ما قاله الحنفية