من طريق الأعرج عن أبي هريرة من الخير والبركة والتقدير لو يعلم الناس ما في الصف الأول وقال الطيبي أطلق مفعول يعلم وهو كلمة ما ولم يبين الفضيلة ما هي ليفيد ضربا من المبالغة وأنه مما لا يدخل تحت الوصف قوله ثم لا يجدون هذه رواية المستملي والحموي وفي رواية غيرهما لم يجدوا وقال الكرماني وفي بعض الروايات لا يجدوا ثم قال جوز بعضهم حذف النون بدون الناصب والجازم قال ابن مالك حذف نون الرفع في موضع الرفع لمجرد التخفيف ثابت في اللغة في الكلام الفصيح نظمه ونثره قوله إلا أن يستهموا عليه من الاستهام وهو الاقتراع يقال استهموا فسهمهم فلان سهما إذا أقرعهم وقال صاحب ( العين ) القرعة مثال الظلمة الاقتراع وقد اقترعوا وتقارعوا وقارعته فقرعته أي أصابتني القرعة دونه وأقرعت بينهم إذا أمرتهم أن يقترعوا وقارعت بينهم أيضا والأول أصوب ذكره ابن التياني في ( الموعب ) وفي ( التهذيب ) لأبي منصور عن ابن الأعرابي القرع والسبق والندب الخطر الذي يستبق عليه وقال النووي معناه أنهم لو علموا فضيلة الأذان وعظيم جزائه ثم لم يجدوا طريقا يحصلونه به لضيق الوقت أو لكونه لا يؤذن للمسجد إلا واحد لاقترعوا في تحصيله وقال الطيبي المعنى لو علموا ما في النداء والصف الأول من الفضيلة ثم حاولوا الاستباق لوجب عليهم ذلك وأتى بثم المؤذن بتراخي رتبة الاستباق من العلم وقدم ذكر الأذان دلالة على تهيء المقدمة الموصلة إلى المقصود الذي هو المثول بين يدي رب العزة قوله عليه أي على كل واحد من الأذان والصف الأول وقد نازع ابن عبد البر والقرطبي في مرجع الضمير فقال ابن عبد البر يرجع إلى الصف الأول لأنه أقرب المذكورين وقال القرطبي يلزم منه أن يبقى النداء ضائعا لا فائدة له بل الضمير يعود على معنى الكلام المتقدم مثل قوله تعالى ومن يفعل ذلك يلق أثاما ( الفرقان 68 ) أي جميع ما ذكر قلت الصواب مع القرطبي ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن مالك بلفظ لاستهموا عليهما فدل ذلك على صحة التقدير الذي قدرناه قوله ما في التهجير أي التكبير إلى الصلوات قاله الهروي وقال غيره المراد التبكير بصلاة الظهر يعني الأتيان إلى صلاة الظهر في أول الوقت لأن التهجير مشتق من الهاجرة وهي شدة الحر نصف النهار وهو أول وقت الظهر قلت الصواب مع الهروي لأن اللفظ مطلق وتخصيصه بالاشتقاق لا وجه له ثم المراد من التبكير إلى الصلوات التهيء والاستعداد لها ولا يلزم من ذلك إقامتها في أول أوقاتها وكيف وقد أمر الشارع بالإبراد في الظهر والإسفار في الفجر وأيضا الهاجرة تطلق على وقت الظهر إلى أن يقرب العصر فإذا أبرد يصدق عليه أنه هجر على ما لا يخفى قوله لاستبقوا إليه أي إلى التهجير وقال ابن أبي حمزة المراد من الاستباق التبكير بأن يسبق غيره في الحضور إلى الصلاة قوله ما في العتمة وهي صلاة العشاء يعني لو يعلمون ما في ثواب أدائها وأداء الصبح لأتوهما ولو حبوا أي ولو كانوا حابين من حبى الصبي إذا مشى على أربع قاله صاحب ( المجمل ) ويقال إذا مشى على يديه أو ركبتيه أو أسته .
ذكر ما يستفاد منه فيه فضيلة الأذان وقد ذكرنا فيما مضى من ذلك وفيه فضيلة الصف الأول لاستماع القرآن إذا جهر الإمام والتأمين عند فراغه من الفاتحة والتكبير عقيب تكبير الإمام وأيضا يحتمل أن يحتاج الإمام إلى استخلاف عند الحدث فيكون هو خليفته فحصل له بذلك أجر عظيم أو يضبط صفة الصلاة وينقلها ويعلمها الناس وروى مسلم خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها وفي ( الأوسط ) للطبراني استغفر للصف الأول ثلاث مرات وللثاني مرتين وللثالث مرة وعن جابر بن سمرة من حديث مسلم ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها يتمون الصف الأول وعند ابن ماجه عن عائشة رضي الله تعالى عنها لا يزال قوم يتأخرون عن الصف الأول حتى يؤخرهم الله إلى النار وعن عبد الرحمن بن عوف إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول وعند ابن حبان عن البراء عن عازب إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول وقال القرطبي اختلف في الصف الأول هل هو الذي يلي الإمام أو المبكر والصحيح أنه الذي يلي الإمام فإن كان بين الإمام وبين الناس حائل كما أحدث الناس المقاصير فالصف الأول الذي على المقصورة وفي ( التوضيح ) الصف الأول ما يلي الإمام ولو وقع فيه حائل خلافا لمالك وأبعد من قال إنه المبكر ولو جاء رجل ورأى الصف الأول مسدودا لا ينبغي له أن يزاحمهم وقد