أنه يحتمل أن يكون معنى الإدراك في الصبيان الذين يدركون يعني يبلغون قبل طلوع الشمس والحيض اللاتي يطهرن والنصارى الذين يسلمون لأنه لما ذكر في هذا الإدراك ولم يذكر الصلاة فيكون هؤلاء الذين سميناهم ومن أشبههم مدركين لهذه الصلاة فيجب عليهم قضاؤها وإن كان الذي بقي عليهم من وقتها أقل من المقدار الذي يصلونها فيه فإن قلت فما تقول فيما رواه أبو سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا أدرك أحدكم سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته وإذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته رواه البخاري والطحاوي أيضا فإنه صريح في ذكر البناء بعد طلوع الشمس قلت قد تواترت الآثار عن النبي بالنهي عن الصلاة عند طلوع الشمس ما لم تتواتر بإباحة الصلاة عند ذلك فدل ذلك على أن ما كان فيه الإباحة كان منسوخا بما كان فيه التواتر بالنهي فإن قلت ما حقيقة النسخ في هذا والذي تذكره احتمال وهل يثبت النسخ بالاحتمال قلت حقيقة النسخ هنا أنه اجتمع في هذا الموضع محرم ومبيح وقد تواترت الأخبار والآثار في باب المحرم ما لم تتواتر في باب المبيح وقد عرف من القاعدة أن المحرم والمبيح إذا اجتمعا يكون العمل للمحرم ويكون المبيح منسوخا وذلك لأن الناسخ هو المتأخر ولا شك أن الحرمة متأخرة عن الإباحة لأن الأصل في الأشياء الإباحة والتحريم عارض ولا يجوز العكس لأنه يلزم النسخ مرتين فافهم فإنه كلام دقيق قد لاح لي من الأنوار الإلهيةفان قلت إنما ورد النهي المذكور عن الصلاة في التطوع خاصة وليس بنهي عن قضاء الفرائض قلت دل حديث عمران بن حصين الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما على أن الصلاة الفائتة قد دخلت في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعن عمران أنه قال سرينا مع رسول الله في غزوة أو قال في سرية فلما كان آخر السحر عرسنا فما استيقظنا حتى أيقظنا حر الشمس الحديث وفيه أنه أخر صلاة الصبح حتى فاتت عنهم إلى أن ارتفعت الشمس ولم يصلها قبل الإرتفاع فدل ذلك أن النهي عام يشمل الفرائض والنوافل والتخصيص بالتطوع ترجيح بلا مرجح .
ومنها أي من الأحكام أن أبا حنيفة ومن تبعه استدلوا بالحديث المذكور أن آخر وقت العصر هو غروب الشمس لأن من أدرك منه ركعة أو ركعتين مدرك له فإذا كان مدركا يكون ذلك الوقت من وقت العصر لأن معنى قوله فقد أدرك أدرك وجوبها حتى إذا أدرك الصبي قبل غروب الشمس أو أسلم الكافر أو أفاق المجنون أو طهرت الحائض تجب عليه صلاة العصر ولو كان الوقت الذي أدركه جزأ يسيرا لا يسع فيه الأداء وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس وقال زفر لا يجب ما لم يجد وقتا يسع الأداء وكذلك الحكم قبل طلوع الشمس وقال زفر لا يجب ما لم يجد وقتا يسع الأداء فيه حقيقة وعن الشافعي قولان فيما إذا أدرك دون ركعة كتكبيرة مثلا أحدهما لا يلزمه والآخر يلزمه وهو أصحهما .
ومنها أنهم اختلفوا في معنى الإدراك هل هو للحكم أو للفضل أو للوقت في أقل من ركعة فذهب مالك وجمهور الأئمة وهو أحد قولي الشافعي إلى أنه لا يدرك شيئا من ذلك بأقل من ركعة متمسكين بلفظ الركعة وبما في ( صحيح ) ابن حبان عن أبي هريرة إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوها ولا تعدوها شيئا ومن أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشافعي في قول إلى أنه يكون مدركا لحكم الصلاة فإن قلت قيد في الحديث بركعة فينبغي أن لا يعتبر أقل منها قلت قيد الركعة فيه خرج مخرج الغالب فإن غالب ما يمكن معرفة الإدراك به ركعة أو نحوها حتى قال بعض الشافعية إنما أراد رسول الله بذكر الركعة البعض من الصلاة لأنه روي عنه من أدرك ركعة من العصر و من أدرك ركعتين من العصر ومن أدرك سجدة من العصر فأشار إلى بعض الصلاة مرة بركعة ومرة بركعتين ومرة بسجدة والتكبيرة في حكم الركعة لأنها بعض الصلاة فمن أدركها فكأنه أدرك ركعة وقال القرطبي واتفق هؤلاء يعني أبا حنيفة وأبا يوسف والشافعي في قول على إدراكهم العصر بتكبيرة قبل الغروب واختلفوا في الظهر فعند الشافعي في قول هو مدرك بتكبيرة لها لاشتراكهما في الوقت وعنه أنه بتمام القيام للظهر يكون قاضيا لها بعد واختلفوا في الجمعة فذهب مالك والثوري والأوزاعي والليث وزفر ومحمد والشافعي وأحمد إلى أن من أدرك منها ركعة أضاف إليها أخرى وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين وهو قول النخعي والحكم وحماد وأغرب عطاء ومكحول وطاووس ومجاهد فقالوا إن من فاتته الخطبة يوم الجمعة يصلي أربعا لأن الجمعة إنما قصرت من أجل الخطبة